القلق الإسرائيلي من الرأي العام العالميالسبت 13/6/2009 برهوم جرايسي- "العرب" القطرية
اعترف وزير الخارجية الإسرائيلية المتطرف أفيغدور ليبرمان، قبل أيام قليلة، بأن "المشكلة الأولى التي تواجهها إسرائيل هي الرأي العالم العالمي"، حسب تعبيره، إلا أن هذا الإدارك لهذه الحقيقة لم يرافقه الاعتراف بالأسباب الحقيقية لهذه الأجواء التي يلمسها حكام إسرائيل في العالم، وراح يتذرع بأن هذا ناجم عن قصر يد الدعاية الإسرائيلية في "دول الغرب والعالم الحر" كما يقول، وهذا ما دعا إلى تصحيحه، وليس غيره. فليبرمان يكثر في الشهرين الأخيرين، ومنذ أن تولى منصبه في حكومة بنيامين نتنياهو، في التجوال بين دول العالم، وذلك لهدفين، الأول والأساسي من طرفه هو إقناع الرأي العام في إسرائيل بأنه بالفعل وزير خارجية وقادر على التحرك في العالم من دون تقييدات، إذ توقعت جهات إسرائيلية بداية، أن يلقى تعيين ليبرمان معارضة في الغرب، ونوعا من المقاطعة له، تماما كما جرى مع شخصيات أوروبية وغيرها، مستوى العنصرية لديها أقل بكثير من تلك التي لدى ليبرمان، الذي يتبنى ويطور مواقف عدائية متشددة ضد العرب وتجاه كل ما من شأنه أن يدفع المنطقة نحو انفراج وحل. والهدف الثاني، هو أن يفرض ليبرمان نفسه على الحلبة الدولية كحقيقة واقعة بأنه هو وزير الخارجية الاسرائيلي وعلى العالم أن يتعامل معه، وهذا بحد ذاته فضيحة للأسرة الدولية التي تغض الطرف عن مواقف هذا العنصري الشرس، فاستقبال ليبرمان ليس إضفاء شرعية على وجوده السياسي فحسب، بل اضفاء شرعية على العقلية والمنطق العنصري المتصاعد باستمرار في إسرائيل، وبات يسيطر على سدة الحكم فيها. على أي حال فمجرد أن يتوصل ليبرمان بالذات إلى هذا الاستنتاج فهذا مؤشر ايجابي، والايجابية هنا ليست في ليبرمان بل في الظروف الدولية التي جعلت هذا العنصري يتوصل إلى هذا الاستنتاج ويجاهر به. فقبل أن يبدأ ليبرمان مزاولة مهامه كان خطابه حول أولويات السياسة الخارجية الإسرائيلية مغايرا بعض الشيء، فقد انطلق ليبرمان إلى العالم ليحكي لهم أساسا عما يسمى بـ "الخطر النووي الإيراني"، في سعي بائس إلى دفع القضية الفلسطينية إلى أسفل سلم الأولويات، إذ أن ليس في جعبة ليبرمان وحكومته سوى الرفض لأسس الحل الأولية في هذا الملف. ولكن كما يبدو فإن ليبرمان شعر على جلده الأجواء العامة في الرأي العام العالمي، التي لا نستطيع أن نجزم، في هذه المرحلة، أنها بالفعل بهذا القدر من الإدارك للسياسة الإسرائيلية وبهذا المستوى التضامني مع القضية الفلسطينية، كونها القضية الأولى في الصراع الإسرائيلي العربي. فقد شهدت سنوات سابقة زخما في التضامن الدولي، وبالأساس الشعبي، مع الشعب الفلسطيني، وهذا الأمر شهدت سلسلة من التراجعات، لسنا في معرض معالجة أسبابها هنا. ورغم ذلك فإن ليبرمان وقسم الأبحاث في وزارته يدرك أن "حسن الاستقبال" الذي لاقاه على مستوى الشخصيات الأوروبية المسؤولة لا يعكس حقيقة الشارع الأوروبي، الذي عاد ليتمعن من جديد في السياسة الإسرائيلية الإجرامية تجاه الشعب الفلسطيني، والحروب الإجرامية التي شنتها إسرائيل في السنوات الأخيرة على الشعبين الفلسطيني واللبناني. ولمواجهة هذا الوضع فإن ليبرمان يعلن أنه سيسعى لتجنيد موارد كبيرة من أجل تنشيط الدعاية الإسرائيلية في بقاع الأرض، ورسالة هذه الدعاية نعرفها جيدا، وهي إظهار إسرائيل "بيت اليهود في العالم الذين هم ضحية على مر آلاف السنين"، ليرافق هذه الحملة التي لا تتوقف، خطاب تجريم العالم كله والشعوب الأوروبية على وجه الخصوص بجرائم النازية، وكل هذا من أجل تبرير الجرائم الإسرائيلية ضد الإنسانية. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو دورنا كفلسطينيين وكعرب؟ والتقصير باعتقادي يبدو واضحا في الإداء الفلسطيني والعربي، إذ لم تكن حملة منظمة تدعو العالم لمقاطعة أفيغدور ليبرمان وعدم استقباله في العالم، وهذا ليس لأن العنصرية الآن بدأت، أو أن الحكومة التي سبقت حكومته "أفضل"، على العكس، فإن العنصرية ترافق إسرائيل منذ يومها الأول، والحكومة السابقة لا تقل إجراما، وحتى أن الحكومة الحالية لم تبدأ بما بدأت به سابقتها من حروب وسفك دماء، وإنما لأن إسرائيل الرسمية والشعبية توّجت ليبرمان رمزا للعنصرية الإسرائيلية "المحبوب"، ومواجهة ليبرمان في العالم كان من الممكن أن تشكل ضوء أحمر أمام العنصرية الإسرائيلية المتنامية باستمرار وتسجل من حين إلى آخر ذروة جديدة. كذلك فإن الحملة الفلسطينية والعربية لمحاصرة سياسة الرفض الإسرائيلية ليست بالمستوى المطلوب، وهناك حالة من الاطمئنان الزائد للخطاب الأميركي الرسمي الجديد، الذي ما من شك أنه ساهم في قلب أجواء عالمية، ولكنه لم يدخل بعد امتحان التطبيق على أرض الواقع، ولهذا فلا مكان للاطمئنان، بل يجب انتهاز فرصة الأجواء العالمية الجديدة للاندفاع نحو الرأي العام العالمي وتجنيده من جديد، ليكون فاعلا في عملية الضغط على حكوماته لتضغط بدورها على إسرائيل. وهذا ليس من الخيال، بل هذا ما كان في النصف الثاني من سنوات الثمانين بفضل انتفاضة الحجر الفلسطينية، التي استنفرت العالم كله، ولم ينفع إسرائيل كل الدعم الأميركي، وشعرت نفسها معزولة، مما اضطر الإدارة الأميركية برئاسة جورج بوش الأب الضغط هي أيضا على حكومة يتسحاق شمير الرفضية، حتى سقوطها. وحين يتكلم ليبرمان عن تخوفه من أجواء الرأي العام العالمي، فهو يتخوف أيضا من عودة أجواء سنوات الثمانين ومطلع سنوات التسعين، ولهذا فإنه سيسارع لمواجهة هذا الأمر، وطالما هناك حالة تقاعس فلسطيني عربي، فإن ليبرمان قد ينجح في مهمته. إن أكبر عقبة أمام مهمة تجنيد الرأي العام العالمي مجددا لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته، وضد السياسة الإسرائيلية، هي حالة الانقسام الدموية التي يشهدها الشعب الفلسطيني، فنصف شعب يخون نصف الآخر، ومجموعات تسفك دماء مجموعات آخر، وكل مجموعة، من فصيل أو حركة، مشاركة في هذا المشهد الدموي والمأساوي يتجمل مسؤولية ما يجري دون استثناء، لأن من يدفع ثمن هذا هو الشعب الفلسطيني نفسه، ومن دون وقف هذه الجريمة المستمرة بوتائر مختلفة، فإن إسرائيل ستنجح في فرض أجندتها من جديد على الساحة الدولية.
تحضير للطباعة أرسل لصديق - |
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر
|