إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



"حلم الصهيونية الصغير" ويروشلايم

الأربعاء 15/7/2009
برهوم جرايسي- "الغد" الاردنية

"بشرّتنا" الصحافة الإسرائيلية هذا الأسبوع أن وزير المواصلات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، اتخذ قرارا "تاريخيا"، يقضي بشطب الأسماء العربية الأصلية عن لافتات الشوارع، ليستبدلها بأسماء عبرية بأحرف عربية، ولكن قبل تلك "البشرى" بساعات شاءت الصدف أن يلقي الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيرس، خطابا لا أقل "تاريخية"، عند قبر ثيودور هيرتسل، أبو الصهيونية، لينتقد فيه "صغر الحلم الصهيونية"، الذي لم يكن وفق المواصفات التي يحتاجها ما يسمى بـ "الشعب اليهودي".
فالقرار الجديد لا يتوقف عند لافتات شوارع، أصلا لم تحترم اللغة العربية، التي يعتبرها القانون الإسرائيلي "اللغة الرسمية الثانية" في إسرائيل، وليس فقط اعتداء على التاريخ وهوية وطن مسلوب، فهذه جريمة بدأت حتى قبل 1948، بل هو عمليا خطوة استفزاز واضحة تجاه فلسطينيي 48، لأن هناك في المؤسسة الإسرائيلية الرسمية، بذراعيها الأمني والسياسي، من يسعى لانفجار مع هذه القوة البشرية المتنامية في وطنها، ولم تنفع معها كل محاولات الاقتلاع من الوطن، من خلال تضييق الخناق بأشد أساليب سياسة التمييز العنصري.
وهذه السياسة التي تستفحل الآن، وفي مسار تصاعدي مستمر منذ سنوات طوال، لربما تسعى إلى تصحيح "أحد أخطاء الصهيونية"، كما قالها دافيد بن غريون، بأنها "سمحت" ببقاء 153 ألف فلسطيني في وطنهم في العام 1948.
ولكن الحائز على جائزة نوبل للسلام، الرئيس شمعون بيرس، كشف لنا عن خطأ "أشد خطورة" للحركة الصهيونية منذ نشأتها، فعند قبر هيرتسل مساء الأحد الماضي، قال "إذا لدي انتقاد للحركة الصهيونية، فهو أن حلمها كان صغيراً"، وأصغر من طموح ما يصفه بأنه "شعب يهودي".
وراح بيرس يعلل استنتاجه هذا بأن عدد اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل اكبر من المتوقع، والجيش الإسرائيلي أكبر، ومكانة إسرائيل الاقتصادية والعسكرية في العالم أكبر، وهكذا.
وهذا ليس مجرد كلام تطلقه أخطر شخصية أيديولوجية صهيونية في تاريخ إسرائيل، بل كان يلمح بوضوح تام، إلى أن المساحة التي "قبلت بها" الحركة الصهيونية في النصف الثاني في سنوات الأربعين من القرن الماضي، كانت أقل من حاجتها، ولربما انه كان يقصد ليس فقط فلسطين التاريخية برمتها، بل أيضا "مملكة إسرائيل" الموعودة، من النيل إلى الفرات.
وهذا ليس مجرد مماحكة سياسية، بل هناك وقائع تتحدث لوحدها، فشعار بنك إسرائيل المركزي هو شمعدان على خارطة "مملكة إسرائيل" تلك التي يقال أنه تم العثور عليها منقوشة على صخرة، و"الخارطة ذاتها" منقوشة على قطعة نقدية إسرائيلية.
في لقاء ما جرى قبل نحو عامين كنت أتحادث مع عدد من الأشخاص حول هذه النقطة بالذات، فاقترب ليسمع "مسؤول كبير" جدا في "مركز بيرس للسلام"، فقاطع ونفى حقيقة الخارطة، فسألته إذا كان يسعى لإقناع أحد في ما يقول؟ وسألته أن يفسر لنا معنى رسم العلم الإسرائيلي، الذي من تفسيرات الخطين الأزرقين فيه هو نهري النيل والفرات، فانخرس "المسؤول" للحظات وانسحب.
والرابط بين تصريح بيرس وقرار ذاك الوزير، ومن قبله تصريحات وزراء يريدون محاصرة البلدات العربية باقامة بلدات يهودية في محاولة لخنقها، واضح ومتين، لأنها كلها تصدر عن نفس العقلية العنصرية التي توجه المؤسسة الإسرائيلية منذ قيامها.
لسنا من ضيعة قليلة، ومحاولات تشويه الهوية لم تبدأ اليوم، ولا عند لافتات الشوارع فمنذ بدايات إسرائيل فرضت علينا المؤسسة الرسمية، منهاجا تجهيليا في المدارس، وحتى أنهم حاولوا تدريس اللغة العربية بأحرف عبرية.
ولكن هذا المخطط تحطم وتكسر على صخرة الأدب الثوري الذي انطلق من جبل الكرمل وحارات الناصرة وأعالي الجليل والمثلث، ويستطيع "كاتس" وحكومته استبدال اسم القدس في لافتات الشوارع لتصبح "يروشلايم" والناصرة "نتسرات" وعكا "عكو" ويافا "يافو"، وبامكانه أن يصرف الملايين لتحقيق حلمه، ولكنهم لن يتوقفوا عن صرف هذه الملايين، لأن مثل هذه اللافتات ستلقى ما تستحق، وفي وضح النهار.
في الخلاصة بالإمكان القول إن هذه خطوة "ممتازة" أخرى تتخذها الحكومة الإسرائيلية لكونها تدعم الاستنتاج القديم الجديد، بأن الأمم المتحدة استعجلت حينما شطبت قرارها بوصف الصهيونية بالعنصرية.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر