إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



إسرائيل: ميزانية حرب واحتلال

السبت 18/7/2009
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

أقر الكنيست الإسرائيلي (البرلمان)، في الأسبوع المنتهي، ميزانية العامين الجاري والمقبل 2010، وحينما يجري الحديث عن موازنة إسرائيل، فإن هذا لا يعني مجرد إجراء اقتصادي محض، لأنه بات من المعروف أن الموازنة العامة في إسرائيل ترسم أيضا السياسة العامة، بما في ذلك مستقبل الصراع وآفاق الحل، وهذا يبرز من خلال شكل الصرف على الحرب والاحتلال والاستيطان.
وكان من المفروض إقرار الموازنة العامة للعام الجاري 2009، قبل نهاية العام 2008، إلا أنه بفعل استقالة حكومة إيهود أولمرت، والتوجه إلى انتخابات برلمانية جرت في شهر فبراير الماضي، فإن إقرار الميزانية تم الآن، ولكن لأول مرّة في تاريخ إسرائيل يجري إقرار ميزانيتين لعامين في آن واحد، إذ سعى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للتخلص من الضغوط الحزبية والائتلافية التي تنشأ في كل "موسم" إقرار الموازنة العامة في الكنيست.
ويبلغ حجم الموازنة للعام الحالي حوالي 80 مليار دولار، مقابل 82 مليار دولار للعام المقبل 2010، أما توزيع الميزانية فهو شبه ثابت منذ سنوات طوال، فحوالي 32% من الميزانية يصرف على تسديد الديون الخارجية والداخلية بما في ذلك الفوائد والعمولات، وأكثر من 30% هو صرف فعلي على كل ما يتعلق بجيش الاحتلال والحرب والاستخبارات والاستيطان وغيره، وما تبقى يصرف على القضايا المدنية والإدارية، ولكن في هذه الحصة من الميزانية أيضا تبرز سياسة التمييز العنصري ضد فلسطينيي 48، النابعة من عقلية الحرب والاحتلال.

وحسب التقارير الرسمية فإن ميزانية وزارة الحرب المباشرة تبلغ هذا العام 13,2 مليار دولار، ولكن لهذه الميزانية سيضاف 2,7 مليار دولار من الدعم العسكري الأميركي السنوي لإسرائيل، إلا أن إجمالي ميزانية الحرب في مختلف جوانبها، والصرف على الاحتلال، وحسب سلسلة من الدراسات على مر السنين الأخيرة، تسيطر على ما لا يقل من 30% من الموازنة العامة، فميزانية وزارة الحرب المباشرة لا تشمل ميزانيات الأجهزة الاستخباراتية، ولا ميزانية وزارة الأمن الداخلي، التي تحت مسؤوليتها قوات ما يسمى بـ "حرس الحدود" التي تنشط إلى جانب جيش الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة، إضافة إلى بنود "الأمن" المنتشرة في جميع الوزارات المختلفة، ليضاف إليها الصرف على الاستيطان.
فعلى سبيل المثال فإن وزارة البناء والإسكان تخصص 12,5 مليون دولار سنويا لحراسة حوالي 4 آلاف مستوطن في البلدة القديمة في القدس المحتلة، ولكن هذا بند واحد من بنود كثيرة، في ميزانية هذه الوزارة والوزارات الأخرى.
إلى ذلك فإن جميع الوزارات تصرف من ميزانياتها على المستوطنات وبناها التحتية في الضفة الغربية والقدس وهضبة الجولان السورية المحتلة، حيث تجري مشاريع بنى تحتية ضخمة خدمة للمستوطنات والمستوطنين، وهذا عدا الامتيازات المالية والتسهيلات الضريبية التي يحظى بها المستوطنون ومستوطناتهم في إطار تشجيع سياسة الاستيطان.
ولهذا فإنه حتى عندما نتحدث عن 30% من الموازنة العامة، فإن هذا يعني أولا 44% من الميزانية الباقية بعد تسديد الديون والفوائد، ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن قسما كبيرا، إن لم تكن أغلبية ديون الحكومة تم صرفها أساسا على الحرب والاستيطان، فإن هذا الشكل من الصرف يتجاوز نسبة 50% من مجمل الموازنة العامة.
ويقر مشروع الموازنة العامة أيضا "منح" الحكومة تعيين المناطق ذات "الأفضلية القومية"، وهي مناطق تحظى بامتيازات وميزانيات اضافية سعيا لتطويرها، وفي الماضي كان هذا يطلق بالأساس على الريف والبلدات الفقيرة إلى جانب المستوطنات، ولكن جرى تعديل هذا القانون ليشطب قانونا سابقا يعتبر البلدات الفقيرة "بلدات ذات أفضلية قومية"، من أجل تحويل هذه الامتيازات بقدر أكبر للمستوطنات.
وكما ذكر فإن عقلية الحرب والاحتلال لا تتوقف عند هذا الحد، إذ أن حكومات إسرائيل تطبق بالتوازي سياسة التمييز العنصري ضد فلسطينيي 48، ولا يوجد بند واحد في الميزانية مخصص للصرف العام إلا ووجدت فيه سياسة تمييز عنصري، فمثلا في حين أن فلسطينيي 48 يشكلون 17,2% من مجمل عدد السكان في إسرائيل، فإن حصتهم من ميزانيات التطوير لا تتعدى 4%، ويعاني جهاز التعليم العربي من نقص 5 آلاف غرفة تعليمية، وحسب المواصفات الإسرائيلية فإن هذا العدد يعني نقص حوالي 300 مدرسة.
كذلك فإن جميع البلدات العربية محرومة من مناطق صناعية وتطويرية ومؤسسات قادرة على استيعاب أماكن عمل كثيرة، وهذا نابع من سياسة تمييز عنصري تنعكس بالأساس في الموازنة العامة، وهذا غيض من فيض سياسة التمييز.
ولكن ما هو خطير في هذه السنة بشكل خاص، هو تعديل في قانون الأراضي، الذي رافق إقرار الميزانية العامة، كجزء منها، والتعديل الجديد جاء تحت اسم "الإصلاح في قانون الأراضي"، وهو اسم تورية لسياسة خطيرة تهدف إلى حرمان العرب من أراضيهم المصادرة منذ سنوات طويلة، وصادرتها حكومات إسرائيل بزعم ما يسمى "خدمة الجمهور العام"، ولم يكن العرب في أي يوم ضمن "خدمات الجمهور العام"، فقد كان فلسطينيو 48 يملكون حتى العام 1948 حوالي 80% من أراضي البلاد، ولكن سياسة مصادرة الأراضي المكثفة "أبقت" العرب يملكون الآن حوالي 3,5% (ثلاثة ونصف بالمائة)، وكانت هذه الأراضي "بملكية الدولة"، ولكنها اليوم تنوي بيعها للقطاع الخاص، من خلال إجراءات تستثني العرب، بمعنى حرمانهم حتى من شراء أراضيهم المصادرة.
إن الموازنة العامة التي أقرها الكنيست بغالبية الأصوات، وما تحمل من مضامين وتوزيع ميزانيات، هو رسالة سياسية واضحة للعالم، مفادها: أن لا تجميد بل توسيع وللاستيطان، وأن إسرائيل ماضية في الإعداد لحروبها القادمة.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر