إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



سؤال إسرائيلي: من يخلي البؤر؟

الخميس 30/7/2009
برهوم جرايسي- "الغد" الاردنية

عاد في الأيام الأخيرة في إسرائيل، طرح سؤال: "من يخلي البؤر الاستيطانية" في الضفة الغربية المحتلة؟، "الشرطة؟" أم جيش الاحتلال؟، وهو سؤال من ناحيتنا، لا شأن لنا به، فكل الأجهزة العسكرية الإسرائيلية بتسمياتها المختلفة وتلون زيّها، تبقى أجهزة احتلال، ولكن للسؤال والإجابة عليه بعدان: الأول سياسي، والثاني خلاف داخلي بين الأجهزة حول من يمسك بـ "الكرة الملتهبة".
بداية وكي لا نقع في أي وهم، فإن إسرائيل ليست جادة في إخلاء البؤر، وهي ليست معنية إطلاقا بخطوة كهذه، ففي الضفة الغربية المحتلة تنتشر حوالي 105 بؤر استيطانية، وبموجب قاموس الاحتلال فهي: "نقاط استيطانية غير قانونية"، بمعنى أن المستوطنين أقاموها بأنفسهم، من دون قرار من حكومة الاحتلال، التي تعتبر كل مستوطنة أقامتها في الضفة وهضبة الجولان السورية المحتلة، والأحياء الاستيطانية في القدس المحتلة "تجمعات سكانية قانونية"، وتريد فرض هذه المصطلحات على العالم.
وللأسف فإن وسائل إعلام عربية تقع في هذا المطب، حين تذكر مصطلحات مثل: "بؤر غير شرعية"، وكأن هناك بؤر شرعية، أو "بؤر عشوائية"، وهي ليست عشوائية، بل أقيمت في نقاط جغرافية مدروسة حتى آخر تفاصيلها، لضرب أي تواصل جغرافي فلسطيني مباشر في الضفة المحتلة.
وتدعي إسرائيل أنها ملزمة بإخلاء 23 بؤرة، وهي تلك التي أقيمت بعد آذار (مارس) 2002، بموجب اتفاق مع الإدارة الأميركية، ولكنها أولا: لم تنفذ هذا "التعهد"، وكل ما نسمعه عن إخلاء بؤر، هو مجرد إخلاء بؤر هامشية غير مأهولة، فيها بعض العتاد، حسب المعلومات المستقاة من وسائل الإعلام الإسرائيلية، وثانيا: أنها تتغاضى عن أكثر من 80 بؤرة أخرى، لتصبح عمليا مستوطنات قائمة، ولتنضم إلى 120 مستوطنة أخرى.
وعمليا فإن إسرائيل التي "تعهدت" بعدم إقامة مستوطنات جديدة، أقامت عمليا 80 مستوطنة جديدة، وهذا عدا عن أن جميع المستوطنات تضاعف حجمها في السنوات الأخيرة مرتين وثلاثة، وعدا عن الأحياء الاستيطانية في القدس، التي باتت تضم أكثر من 205 آلاف مستوطن، إلى جانب 305 آلاف مستوطن في الضفة الغربية المحتلة، وقرابة 28 ألف مستوطن في الجولان.
إما بشأن الإخلاء المزعوم، فقد قال رئيس أركان جيش الاحتلال، غابي أشكنازي، هذا الأسبوع: "من الصحيح أن يتعامل مع المواطنين مباشرة أفراد شرطة، في حين يكون أفراد الجيش في الحلقة الخارجية"، لعملية الإخلاء.
مرّة أخرى، فمن ناحيتنا فإن الجيش هو جيش احتلال، والشرطة هي شرطة احتلال، ولكن وفق المفاهيم الإسرائيلية الداخلية، فإن تكليف الشرطة بهذه المهمة، يعني التعامل مع المستوطنين وكأنهم مواطنين إسرائيليين يسكنون داخل "المجتمع المدني الإسرائيلي"، وهذه رسالة سياسية إسرائيلية جوهرية، لا تعترف بأن تواجدها في الضفة الغربية هو احتلال واستيطان.
وهذا يتماشى مثلا، مع مطالبة اليمين بعدم استخدام مصطلح "مستوطنة" بل "بلدة"، ومن المتوقع فرض هذا على وسائل الإعلام الإسرائيلية الرسمية، تماما كما فرض عليها قبل سنوات عدم استخدام اسم "الضفة الغربية المحتلة" و"قطاع غزة"، بل "يهودا والسامر" وهي تسمية توراتية، لتثبيت أنها جزء مما يسمى "ارض إسرائيل الكاملة"، وإقليم غزة"، بمعنى "إقليم"، كجزء من "أرض إسرائيل"، وللفصل عن التسمية العربية التي ترجمت حرفيا للعبرية.
ولكن يبقى من خلف تصريح أشكنازي أمر آخر، وهو أن كل مسؤول عسكري وأمني يريد الابتعاد شخصيا عن المسؤولية المباشرة لعملية كهذه في حال تمت، وهي لن تتم، لئلا يكون عرضة للانتقادات والتهجمات من جانب المستوطنين وحلفائهم، الذين باتت نسبتهم في داخل المؤسسة الإسرائيلية، أضعاف نسبتهم من بين سكان إسرائيل وقوتهم الانتخابية، وباتوا عمليا التيار المسيطر على المؤسسة بأذرعها السياسية والعسكرية، في حين أن المحاولات الأخيرة المكثفة، لإجراء تغييرات في الجهاز القضائي، تهدف إلى سيطرتهم أيضا على هذا الجهاز، وهذا ما قد يحدث خلال سنوات قليلة جدا.
على أي حال يبقى هذا "السؤال"، شأنا داخليا في سلطات الاحتلال، ولكن ليس من المستبعد، وبموجب التجربة مع السياسة الإسرائيلية، أن يتحول هذا السؤال إلى شأن يُشغل "بال دول القرار" في العالم، من باب سعي إسرائيل إلى إشغال العالم بقضاياها الداخلية، طالما هذه القضايا تساهم في إبعادها عن مستحقات حل الصراع.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر