إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الهاجس الديمغرافي المزدوج في إسرائيل

السبت 5/9/2009
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

يشكل العامل الديمغرافي أحد أهم الهواجس التي تشغل بال الحركة الصهيونية والمؤسسة الإسرائيلية، وفي مثل هذه الأيام، يُطرح هذا الموضوع بقوة، مع اقتراب بدء السنة العبرية الجديدة، وظهور الإحصائيات الرسمية حول عدد سكان إسرائيل، والحديث عن نسب اليهود والعرب.
فكما هو معروف، فإن الحركة الصهيونية تطمح إلى أن لا تقل نسبة اليهود في إسرائيل عن 80% من مجمل السكان في إسرائيل، وهي نسبة مُثبتة، ولكن الإحصائيات الرسمية بتفاصيلها الدقيقة، تدعي أن النسبة غير موجودة، إذ تدعي ان نسبة اليهود حوالي 76%، وأن نسبة العرب، فلسطينيي 48، أكثر من 20%، بعد ضم فلسطينيي القدس المحتلة منذ العام 1967، وسوريي هضبة الجولان السورية المحتلة، بفعل قانون الضم الإحتلالي، وأيضا بسبب وجود أكثر من 250 ألف يهودي ترفض المؤسسة الدينية الاعتراف بيهوديتهم.
وبعد خصم فلسطينيي القدس وسوريي الجولان، فإن نسبة فلسطينيي 48 كانت حتى نهاية العام الماضي 2008، حوالي 17,1%، بينما اليهود أكثر من 81%.
وتسعى إسرائيل إلى تثبيت نسبة اليهود من خلال تشجيع الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، التي تتراجع بشكل حاد في السنوات الأخيرة، وذلك بعد أن ساهمت هذه الهجرة في سنوات التسعين إلى تراجع نسبة فلسطيني 48 من مجمل السكان.
وطرحت الوكالة الصهيونية قبل حوالي ثلاث سنوات مشروعا يقضي بتأمين عدد مهاجرين يهود إلى إسرائيل سنويا، بشكل يجمد نسبة فلسطينيي 48 ويمنع زيادتهم، ولكن معطيات السنوات الثلاث الأخيرة تشير إلى تراجع حاد جدا في أعداد المهاجرين إلى إسرائيل، إلى درجة اقتراب عددهم من عدد المهاجرين عكسيا، بمعنى الذين يغادرون إسرائيل، وهذا ما ساهم في زيادة نسبة فلسطينيي 48، ولو بشكل بطيء سنويا، ففي حين كانت نسبتهم في العام 2005 قرابة 16,5%، ارتفعت في نهاية العام الماضي الى 17,1%.
ولكن في الآونة الأخيرة بدأ الحديث أكثر وضوحا عن هاجس ديمغرافي آخر، يشكل مصدر قلق لا أقل من نسبة تزايد العرب، وهو التكاثر الحاد لليهود الأصوليين "الحريديم"، الذي تم استعراض جوانب من أزمة المؤسسة الإسرائيلية معهم مستقبلا، هنا في "العرب" قبل نحو أسبوعين.
فبمناسبة افتتاح السنة الدراسية في إسرائيل، في مطلع الشهر الجاري، نشر معهد "طاوب" الإسرائيلي، مسحا أظهر أن نسبة طلاب المدارس من جمهور اليهود الحريديم، من مجمل طلاب المدارس في إسرائيل، ازدادت في السنوات التسع الأخير بنسبة 50%، من أقل من 15% من مجمل الطلاب في العام 2000، إلى أكثر من 21% في العام الجاري، في حين أن نسبة الطلاب العرب من مجمل الطلاب في إسرائيل تجاوزت 24%.
وهذا يعني أن الطلاب الحريديم باتوا يشكلون 27% من مجمل الطلاب اليهود، وهذه النسبة تدعمها إحصائية أخرى صدرت قبل أكثر من شهر عن قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي، قالت إن نسبة الشبان الحريديم في عمر 18 عاما ستصل بعد عشر سنوات إلى 25% من مجمل الشبان الذين يسري عليهم قانون التجنيد الإجباري، بمعنى الشبان اليهود، وعبرت قيادة الجيش عن قلقها من هذه النسبة، بسبب عدم تجند شبان الحريديم في الجيش من منطلقات دينية.
وتقرأ المؤسسة الرسمية والصهيونية هذه المعطيات بلغة أخرى، لكون العرب من جهة والحريديم من جهة أخرى، يرفضون الصهيونية كل من منطلقاته، دون تحالف بينهم، ولهذا، فإن المؤسسة الإسرائيلية ترى اليوم أن 45% من جمهور طلبة المدارس في إسرائيل هم خارج الدائرة الصهيونية، وهذا يشكل من ناحيتهم مصدر قلق.
ولكن ما يزيد قلق هذه المؤسسة، معرفتها أنه في غضون سنوات قليلة جدا سيصبح قرابة 50% وأكثر، من الجمهور في إسرائيل خارج الدائرة الصهيونية، وهذا حديث ظهر قبل سنوات، ولكن في حينه جرى الحديث عن أن مشهدا كهذا في إسرائيل سيكون ما بين العام 2020 وحتى العام 2025، إلا أن المعطيات الجديدة تقول إن إسرائيل مقبلة على واقع كهذا قبل ذلك الموعد.
وهذا نابع عن كثرة ولادات الحريديم، ما بين 7 إلى 8 للأم الواحدة، مقابل 3,7 ولادة للأم العربية، وحوالي ولادتين للأم اليهودية العلمانية.
من المنظور الخارجي، يظهر وكأن الحريديم وسائر اليهود هم مجموعة واحدة، وهذا صحيح من ناحية سياسية في هذه المرحلة، ولكن على المستوى الداخلي، وخاصة في داخل المجتمع اليهودي، فإن هذا مصدر أزمات اجتماعية وحتى فكرية مستقبلية، داخل المجتمع الإسرائيلي.
ليس صدفة أن معهد "طاوب" الذي أجرى المسح حول نسب طلاب المدارس، دعا المؤسسة الإسرائيلية في استنتاجاته، إلى أخذ هذه المعطيات على محمل الجد، والاستعداد لمواجهة التطورات اللاحقة.
والاستنتاج ذاته كان لدى قيادة جيش الاحتلال، حينما أعلنت عن نسبة الشبان الحريديم بعد عشر سنوات، وهذا بحد ذاته يعكس حالة القلق الإسرائيلي الداخلي، الذي سينعكس حتما خلال فترة قصيرة، في تغيرات داخلية في إسرائيل، تهدف "تحصين" المشروع الصهيوني، وستبادر إلى سلسلة من الإجراءات، الموجهة لجمهور الحريديم، وأخرى موجهة ضد العرب.
فمن حيث الإجراءات ضد العرب، لا حاجة لسرد توقعات، فهذا ما هو قائم منذ أكثر من 61 عاما، من سياسة تمييز عنصري لخلق مجتمع ضعيف اقتصاديا واجتماعيا، أما المثير فهو رؤية كيفية التعامل مع جمهور الحريديم، لأن محاولات تدجينهم صهيونيا ستبوء بالفشل، وذلك لأن قبولهم بالفكرة الصهيونية يعني تخليهم عن شرائع ومعتقدات دينية راسخة لديهم، ويبنون على أساسها مجتمعاتهم المنغلقة.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر