إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا

السبت 12/9/2009
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان في الأيام القليلة الماضية، جولة في القارة الأفريقية، شملت عددا من الدول، وذلك في إطار ما يدعيه ليبرمان: "أجندة جديدة للسياسة الخارجية الإسرائيلية"، و"فتح آفاق جديدة لعلاقات إسرائيل مع العالم"، إلا أن الحقيقة هي أبعد من ذلك، فإسرائيل تبحث عن مواطئ قدم ثابتة في القارة السمراء، لأهداف عسكرية وأمنية واضحة.
وكان ليبرمان، منذ أن تسلم منصبه في وزارة الخارجية، قبل نحو خمسة أشهر ونصف الشهر، قد تحدث كثيرا عن "ضرورة" أن توسع إسرائيل علاقاتها مع العالم، وركز في حديثه بشكل خاص، على القارتين: أميركا الجنوبية وأفريقيا، وزعم أن على إسرائيل أن تلتفت إلى مساعي إيران التي تحاول التغلغل في دول هاتين المنطقتين، في حين أن إسرائيل "أهملت" هذه الدول على مدى عشرات السنوات.
ويأتي هذا في إطار ما يردده ليبرمان دائما، وهو "التحذير" من أن تبقى إسرائيل مستندة في علاقاتها الخارجية على الولايات المتحدة الأميركية، داعيا إسرائيل إلى أن تتجه إلى اتجاهات أخرى، وخاصة روسيا، التي هاجر منها منذ سنوات.
وحاول ليبرمان في كثير من الأحيان الإشارة إلى أنه على إسرائيل أن لا تبقى متعلقة بالولايات المتحدة بالقدر القائم، إلا أنه كان يُتبع كلامه هذا بالحديث عن أهمية العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
ولكن ليبرمان الذي اختار لنفسه دور المتغابي، يحاول أن يحجب حقيقة ما يقف من وراء الاعتماد الإسرائيلي على الولايات المتحدة، الداعم المالي الأكبر والأضخم لإسرائيل على المسارين: مسار الدعم الأميركي الرسمي الذي يقف اليوم عند ثلاثة مليارات دولار سنويا، لتمويل الجانب العسكري، ومسار الدعم القادم من الجمعيات والأثرياء اليهود، واللوبي الصهيوني وأعوانه المتغلغل في الولايات المتحدة، أضف إلى كل هذا، أن 40% من الصادرات الإسرائيلية إلى الخارج تتجه إلى الولايات المتحدة، وكل هذا عدا عن الدعم السياسي الأميركي الأعمى لإسرائيل، وما يتبعه من دعم عسكري أمني استراتيجي.
حينما يتحدث ليبرمان عن ضرورة تطوير علاقات إسرائيل مع دول القارتين، أفريقيا وأميركا الجنوبية، يحاول الظهور وكأنه يأتي إلى وزارة الخارجية بأجندة جديدة، كما يقول في مقابلة صحفية مع صحيفة "يديعوت أحرنوت"، ولكن في حقيقة الأمر، فإن سعي إسرائيل لتوسيع علاقاتها مع هذه الدول، ومع سائر أنحاء العالم لم يغب يوما عن الأجندة الإسرائيلية، وكل ما هنالك هو أن إسرائيل لم تجد في غالب الأوقات "صدورا مفتوحة" في غالبية دول العالم.
فحتى مطلع سنوات التسعين، مع بدء العملية التفاوضية في مدريد في خريف العام 1991، وما تبع ذلك في مسار أوسلو في العام 1993، وتوسع العلاقات مع دول عربية، كانت إسرائيل في حالة حصار سياسي في غالبية مناطق العالم، وفي أفريقيا بالذات كانت علاقاتها البارزة مع نظام الأبرتهايد العنصري في جنوب أفريقيا، في حين أن الغالبية الساحقة جدا من دول القارة السمراء لم تكن تقيم علاقات مع إسرائيل.
والوضع ذاته كان في آسيا، إذ أن غالبية دول هذه القارة تنقسم بين دول عربية وإسلامية، ودول من مجموعة دول عدم الانحياز والدول ذات الطابع الاشتراكي، وكلها كانت ترفض إقامة علاقات مع إسرائيل، ولم يكن الوضع في أميركا الجنوبية أفضل بكثير.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي طبيعة العلاقات والمصالح التي تسعى لها إسرائيل في دول الفقر في القارة الأفريقية، بعد أن قالت تقارير أن ليبرمان عاد من جولته في أميركا الجنوبية خائبا إلى درجة كبيرة، كما ألمح إلى ذلك عدد من المحللين الإسرائيليين، حتى أن قال المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" ألوف بن، إن زيارة ليبرمان لأميركا الجنوبية وأفريقيا، مع كل أهميتها تتعلق بأمور هامشية بالنسبة للسياسة الخارجية الإسرائيلية.
بطبيعة الحال، فإن القدرات الاقتصادية للغالبية الساحقة من الدول الأفريقية ليست قادرة على شراء الإنتاج الإسرائيلي في كافة المستويات، وحتى العسكري منه، إلا إذا استثنيا المعدات والآليات العسكرية المستعملة، التي درجت إسرائيل على بيعها لدول فقيرة في آسيا وأفريقيا، أو أن تسلمها لشركات إسرائيلية خاصة تعمل في العالم، لتبيعها لعصابات الإجرام والتمرد في أنحاء مختلفة من العالم.
ولهذا فإن السيناريو الأصح لطبيعة العلاقات التي تسعى لها مع أفريقيا، هو تقديم "مساعدات" في الخبرات العسكرية والزراعية وغيرها، بهدف أن تكون هذه مقدمة ليكون لإسرائيل موطئ قدم وقواعد أمنية واستخباراتية في بعض هذه الدول، إذا ما نجحت إسرائيل بذلك.
وهذا الأمر يؤكده المحلل في الشؤون الأمنية يوسي مليمان في تقرير له في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إذ لفت ميلمان إلى طبيعة الوفد الذي يرافق ليبرمان في جولته الأفريقية، الذي يضم شخصيات من بينهم مسؤولين كبار في جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية "الموساد"، إضافة إلى خبراء ومسؤولين في مجال الصناعات العسكرية والأمنية، عدا عن قطاعات أخرى مثل الزراعة وغيرها.
ويقول ميلمان في تقريره، إن الجانب غير المعلن في زيارة ليبرمان إلى أفريقيا هو أن إسرائيل تأمل بأن تفسح الزيارة المجال أمام إبرام صفقات أسلحة، ولكن الأهم هو "الأمل في تطوير علاقات استخباراتية وتعاون ضد العناصر الجهادية الدولية، وخصوصا مواجهة نشاطات إيران في بعض هذه الدول الأفريقية".
من السابق لأوانه حسم مسألة نجاح إسرائيل وليبرمان في المساعي المتجددة في أفريقيا، إلى حين معرفة مدى تجاوب هذه الدول أو بعضها مع النوايا الإسرائيلية الخبيثة والخطيرة.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر