إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



حصانة إسرائيل في وجه التقارير الدولية


السبت 19/9/2009
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

صدر قرار عن مجلس الأمن الدولي يقضي بإلقاء القبض على حكام إسرائيل وقادتها العسكريين الحاليين والسابقين، وتقديمهم للمحاكمة الدولية، بسبب الجرائم التي ارتكبوها ضد الإنسانية في قطاع غزة، في مطلع العام الجاري.... قرار نسج من الخيال.
ولكن قرار كهذا كان من الممكن أن يصدر فقط لو جرى تعديل واحد، فبدلا من اسم إسرائيل يتم تسجيل أي دولة في العالم عداها، لأن إسرائيل فوق القانون الدولي حتى عندما تذبح شعبا بأسره، ووفق شهادات وتقارير دولية، أعدها كبار المختصين، ليكون آخرها التقرير الدولي الذي صدر هذا الأسبوع عن اللجنة الدولية للتحقيق في مجريات الحرب على غزة، وحتى أن رئيسها قاضي يهودي من جنوب أفريقيا على علاقة وطيدة بإسرائيل والحركة الصهيونية.
لم تكن "هزّة" في إسرائيل في الأيام القليلة الماضية، التي أعقبت صدور التقرير، بل مزيدا من الهجوم على المؤسسات الدولية واعتبارها "منحازة ضد إسرائيل"، وحتى أن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس، راح يتهم اللجنة الدولية بأنها تقف إلى جانب "الجاني" وضد "الضحية"، وبمفهومه، فإن الجاني هم الفلسطينيون والضحية هي إسرائيل، وهذه قناعات راسخة في الحركة الصهيونية وتعكس مدى الاستعلاء والعقلية الإجرامية التي تقود هذه الحركة وإسرائيل برمتها.
لم تكن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أول الحروب، وكما يظهر لن تكون آخرها، فاستمرار الحصار على القطاع بالشكل الذي نشهده، هو حرب لا أقل شراسة من تلك الحرب الدموية، فالمقارنة هي بين القتل والتدمير السريع، وبين القتل البطيء لشعب بأكمله، والحال في الضفة الغربية المحتلة ليس بعيدا كثيرا عما يجري في قطاع غزة، والفرق هو بين سجن صغير وسجن أكبر، ولكن النتيجة الجوهرية تبقى واحدة.
على مر عشرات السنوات ارتكبت إسرائيل من المجازر ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة، ما يصعب حصره، فأصلا أقامت كيانها على أساس المجازر، التي استمرت وبشراسة لا أقل، ومنها حتى ما لم ينجح في أن يصل إلى العالم.
وطيلة الوقت كانت إسرائيل خارج أي محاسبة دولية، حتى عندما كانت جريمتها صارخة إلى حد استنفرت العالم بأسره، مثل حربها على لبنان في العام 1982، ومجزرة صبرا وشاتيلا وما سبقها وتبعها، وهو كثير.
وفي السنوات الأخيرة، مع تطور مفاهيم حقوق الإنسان، وملاحقة الجرائم ضد الإنسانية في كافة أرجاء المعمورة، وسن قوانين في دول الاتحاد الأوروبي تسمح بمقاضاة مجرمي الحرب، حتى وإن ارتكبوا جرائمهم خارج دولهم وضد شعوب أخرى، تم طرح الملف الإسرائيلي على هذه المحاكم، إلا أن إسرائيل نجحت ليس فقط في الإفلات من هذه المحاكم، بل أيضا عملت على تعديل قوانين قائمة في عدد من هذه الدول.
ونذكر مثلا، كيف أنه قبل نحو ست سنوات، نظرت المحاكم البلجيكية في طلب استصدار أمر اعتقال ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، أريئيل شارون، نظرا لدوره الأساسي في مجزرة صبرا وشاتيلا، وبعد ضجة استمرت أسابيع، انتهى الملف في أن بادرت بلجيكا إلى تعديل قانونها القائم، ليمنع محاكمة مسؤولين سياسيين يزاولون مهامهم في دولهم.
كذلك فإن دعوى أخرى تم تقديمها ضد عدد من الجنرالات الإسرائيليين على خلفية جريمة اغتيال القيادي في حركة حماس صلاح شحادة في العام 2002، حين قتل في تلك الجريمة 15 شخصا من النساء والأطفال، وبدلا من أن تلقي السلطات البريطانية القبض على أحد هؤلاء الجنرالات حين وصل إلى مطار لندن، حذرته السلطات ذاتها ونصحته بالمغادرة الفورية.
وآخر النماذج الأخيرة كان في اسبانيا، التي أعلنت رسميا قبل بضعة أسابيع عن شطب دعوى من أمام محاكمها ضد جنرالات إسرائيليين في قضية اغتيال شحادة أيضا، وهذا أيضا بعد مساع إسرائيلية مكثفة، مدعومة من دول القرار الكبرى في العالم.
ولن يكون مصير التقرير الدولي الصادر عن لجنة التحقيق الخاصة برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون، بخلاف لمصير كل محاولات الملاحقات القضائية الدولية لإسرائيل وجرائمها، وذلك لأن إسرائيل مطمئنة إلى أن الموازين الدولية ستخدمها، وستبقيها بعيدة عن أي إمكانية لصدور قرار دولي يدعو إلى تقديم ساستها وعساكرها إلى المحاكمات الدولية، بسبب جرائم الحرب التي ارتكبوها.
إذ ترى إسرائيل أن الولايات المتحدة هي صاحبة القرار في هذا الشأن، فحتى وإن تم تقديم طلب لمجلس الأمن الدولي، وحصل على أغلبية، فإن حق الفيتو الأميركي، وقد لا يبقى وحده، سيقف في المرصاد لأي محاولة كهذه.
فإسرائيل ترى في بريطانيا حليفة لا أقل، كذلك فإن علاقاتها في تطور دائم مع فرنسا، أما روسيا فإن قنوات الاتصال والتنسيق معها باتت أكثر من ذي قبل، ولا يبدو أن روسيا ستكون مستعدة لفتح جبهة سياسية من هذا النوع أمام إسرائيل، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تمدد نفوذها في الشرق الأوسط وأنحاء أخرى في العالم، وعلى أساس هذه المعادلة ومركباتها الإضافية فإن إسرائيل مطمئنة أكثر، بالذات من جانب مجلس الأمن الدولي.
حتى في إسرائيل هناك من اعتبر أن "التهم" الموجهة لحركة حماس في التقرير ذاته، أنها محاولة من قبل اللجنة الدولية لخلق توازنات شكلية، كما يرى ذلك المحلل العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي، ولكن ليس من المستبعد أن تبادر أطراف دولية للتشبث بهذه "التوازنات" المجحفة، التي تساوي بين المجرم والضحية، من أجل الظهور كمن يريد إغلاق هذا الملف "كي لا يلاحق المقاومة الفلسطينية أيضا"!.
الاستنتاج الأساسي الذي من الممكن أن نسجله منذ الآن، هو أنه على أساس موازين القوى القائمة في الحلبة الدولية، فإن التقرير الذي صدر قبل أيام قليلة، سيصبح في عالم النسيان، إن لم يكن قد أصبح فيه منذ الآن، وليكون مجرد وريقات حاولت أن تمتص غضبا، تلقى في أرشيف الأمم المتحدة، إلى جانب تقارير وقرارات شبيهة، لم تنفع في شيء.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر