إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



يهودي "غير مُستلطف" في البيت الأبيض


السبت 8/8/2009
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

إحدى أبرز القضايا التي تهم المؤسسة الإسرائيلية والحركة الصهيونية ككل، عند تشكيل إدارة أميركية جديدة، أو انتخابات تشريعية وغيرها في الولايات المتحدة الأميركية، هي مدى تغلغل اليهود في كل واحدة من هذه المؤسسات، وهذا لا يسري فقط على الولايات المتحدة، وإنما أيضا دول أوروبية أخرى، ولكن يبقى التركيز أكبر على الدولة العظمى.
وكما هو معروف فإن الموظفين والمسؤولين اليهود يتغلغلون في المؤسسات القيادية الأميركية، إن كانت السياسية أو الاقتصادية والإدارية وغيرها، بقدر يفوق بأضعاف نسبتهم من بين السكان، وهذا لأن هذه المؤسسات والمراكز المسؤولة مستهدفة أيضا من الحركة الصهيونية بشكل خاص.
وما كان يجب أن تستحوذ هذه القضية على اهتمام خاص، لو كانت في السياق الطبيعي، بمعنى أن هؤلاء مواطنون أميركيون، وحقهم في الوصول إلى ما يسعون إليه كسائر المواطنين في وطنهم، إلا أن الحركة الصهيونية جعلت من هذا مشروعا سياسيا، وتكثر التقارير الصحفية الإسرائيلية حول عدد المسؤولين اليهود في تلك المؤسسات، ومدى انتمائهم للمشروع الصهيوني، وللحكومة الإسرائيلية.
ولدى تشكيل إدارة الرئيس باراك أوباما كانت "بورصة الأسماء" تعج بالشخصيات اليهودية، وكانت صورهم تنتشر في الصحف الإسرائيلية، وأحد أبرز هؤلاء المسؤولين اليهود، الذين "احتفلت" بهم إسرائيل، كان مدير عام طاقم البيت الأبيض رام عمانوئيل، وكما يقال فإنه من أقرب المقربين للرئيس أوباما.
وقالت لنا الصحف الإسرائيلية في حينه إنه من عائلة يهودية صهيونية، وأن والده الذي هاجر من إسرائيل منذ سنوات طوال كان ينتمي إلى أشرس العصابات الصهيونية، عصابة "الإيتسل"، المسجل على اسمها أبشع المجازر الصهيونية ضد الفلسطينيين، والتي بلورت بعد العام 1948 حزب "حيروت" اليميني المتشدد، الذي تحول لاحقا إلى حزب "الليكود".
وقرأنا أيضا عن أسماء منها من هي معروفة منذ زمن، مثل مساعد وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق، دينيس روس، الذي يتولى رئاسة أبرز المعاهد الإستراتيجية الصهيونية، ويُطلق عليه اسم "معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي"، وهو التابع للوكالة الصهيونية، ويصدر تقريرا سنويا حول ما يسمى بـ "التحديات" التي تواجه اليهود في العالم وإسرائيل، وهو يشغل اليوم منصب مبعوث خاص للإدارة الأميركية في الشأن الإيراني.
وهناك أيضا ديفيد اكسلرود، وهو مستشار استراتيجي للرئيس أوباما، ودان شبيرو، رئيس قسم الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، ومارة رودمان، وهي أيضا مستشارة لشؤون "تطور الشرق الأوسط"، ومارتن إنديك، رئيس معهد "سبان"، الذي يشغل كمستشار للمبعوث الأميركي للشرق الأوسط، جورج ميتشل، ومواقفه أقرب نسبيا إلى استحقاقات السلام، وهو من المؤيدين لمشروع الرئيس بيل كلينتون لحل الصراع الشرق أوسطي.
وكانت الأجواء العامة في إسرائيل تبدي ارتياحا مع استكمال تشكيل طواقم البيت الأبيض، وكافة المؤسسات الرسمية التابعة له، ولكن بعد الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، وفوز اليمين الإسرائيلي المتشدد بغالبية المقاعد، وبدء الصدام السياسي، الظاهر حتى الآن، مع الإدارة الأميركية، بدأ ساسة إسرائيل يبحثون "عمن يقف من وراء مواقف أوباما"، التي يدعون أنها متشددة اتجاه إسرائيل.
ومنذ فترة بدأت تظهر أنباء حول أن رام عمانوئيل مدير عام طاقم موظفي البيت الابيض، وابن عضو عصابة "الإيتسل" الصهيونية، "يحرض" أوباما ليضغط على الحكومة الإسرائيلية، كي تجمد الاستيطان، وقبل ذلك، كانت إسرائيل قد "غسلت يديها" من المبعوث الأميركي للشرق الأوسط جورج ميتشل، كونه يتخذ مواقف "متشددة" بمنظور إسرائيلي، من مسألة الاحتلال والاستيطان، وما زاد الطين بلة، هو تعيين مارتن إنديك مستشارا لميتشل، الذي هو أيضا يتخذ موقفا "متشددا" من اليمين الإسرائيلي.
ولكن تسليط الضوء في الآونة الأخيرة كان على عمانوئيل، وحتى أن لهجة الحديث عنه تصاعدت، لتتوجها صحيفة "هآرتس" المحسوبة على التيار "اليساري الصهيوني"، بتقرير مطول عن عمانوئيل، يتضمن شتائم سوقية نابية، نقلتها مراسلة الصحيفة في واشنطن ناتاشا موزغيفيا، عن لسان "أوساط يهودية"، وبطبيعة الحال لا يمكن نقلها هنا.
وتنقل الصحيفة عن "مقربين" من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، قولهم إنهم على قناعة بأن عمانوئيل، ومن وراء الكواليس، "يحرّض الرئيس الأميركي ضد إسرائيل، ولهذا الأمر سبب نفسي: إنه يهودي تأكله كراهية الذات، يضمر الكراهية لنتنياهو، حتى منذ أن كان مسؤولا في إدارة الرئيس بيل كلينتون"، كما جاء في التقرير.
ثم تبدأ الصحافية في وصف عمانوئيل وكأنه شخص فظ في التعامل، "لا يعمل حسابا لأحد"، وبمفهوم عام فإن الشأن الإسرائيلي ليس على أولويات أجندته، ثم تستنطق بعض الوجوه اليهودية البارزة، فمنهم من يؤيد الاستنتاج بأن عمانوئيل ليس ودودا لإسرائيل، ومنهم من يطلبوا التريث والأخذ بعين الاعتبار أنه مسؤول عام، ومن بين هؤلاء والد عمانوئيل الذي يناشد الصحيفة قائلا: أريحوا ابني ماذا تريدون منه، ويقول بغضب: "أنا أحب الدولة (إسرائيل)،
كل أولادي صهاينة، ويأتون سنويا إلى إسرائيل، أنا لا أعلم لماذا تنهالون عليه، إنني مؤيد لنتنياهو وكنت عضوا في الإيتسل".
الاستنتاج العام من هذا التقرير، وفي صحيفة النخبة الإسرائيلية، التي لها صدى كبير في الأوساط اليهودية في الولايات المتحدة، هو أن رام عمانوئيل بات شخصا "غير مستلطف" في إسرائيل، فإما أن تكون هذه رسالة تحذير، أو أنها تبرير مسبق لتقلبات وتحولات قد نراها لاحقا.
ويبقى هذا نموذج لعلاقة إسرائيل مع أبناء الديانة اليهودية في العالم، وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، ولكن ليس من المستبعد أن نكون أمام مرحلة جديدة في الأشهر والسنوات القليلة المقبلة، قد نقرأ فيها تطورات كثيرة تتعلق بمكانة أبناء الديانة اليهودية في الولايات المتحدة، وهذا في أعقاب تكشف سلسلة اختلاسات وعمليات نصب واحتيال ضخمة في الولايات المتحدة، "أبطالها" من اليهود وحتى رجال الدين من بينهم.
بدءا من الملياردير اليهودي برنارد ميدوف الذي حكم عليه بالسجن 150 عاما قبل أسابيع قليلة، مرورا بشبكة تبييض أموال عصابات الإجرام التي تورط بها حاخامات يهود، وكشف عنها قبل أسبوعين، وصولا إلى عصابة نصب واحتيال على سلطات الضرائب الأميركية وكشف عنها في الأيام الأخيرة، وهي تضم إسرائيليين ويهود أميركان.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر