إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



دورة برلمانية قصيرة وقوانين كبيرة لضرب أنظمة الكنيست


الثلاثاء 11/8/2009
برهوم جرايسي- "المشهد الاسرائيلي"- رام الله

*الدورة البرلمانية أقرت سلسلة قوانين واجراءات وقرارات تتناقض مع أساليب "اللعبة البرلمانية" التي كانت قائمة *الأزمة في كل من "العمل" و"يسرائيل بيتينو" لن تؤثر على وحدة واستقرار الائتلاف الحاكم حتى الآن *"العمل" أقرب للانشقاق، واستقالة مفترضة لليبرمان من الحكومة لن تجر حزبه إلى خارج الائتلاف إذا حافظ على حقيبة الخارجية*


لا يذكر الكنيست الإسرائيلي دورة برلمانية قصيرة، كالدور الصيفية التي انتهت في اليوم الأخير من الشهر الماضي، تموز/ يوليو، فيها هذا الكم من الإجراءات والقوانين التي ضربت أنظمة برلمانية قائمة منذ عشرات السنوات، ومنها ما يضرب أسسا ديمقراطية قائمة، عدا عما كل ما يمكن قوله في الجانب السياسي، من تعميق لسياسة الرفض الإسرائيلية الجديدة لكل آفاق حل الصراع في المنطقة.
فخلال ثلاثة أشهر أقدمت حكومة نتنياهو على سلسلة إجراءات وسن قوانين لتسهيل عملها، وإزاحة عقبات مفترضة، ولكنها في نفس الوقت ضربت "أساليب اللعبة البرلمانية" القائمة منذ عشرات السنوات، وهي لم تكمل كافة ما تسعى إليه، ولهذا فإننا قد نكون مقبلين على إجراءات وقوانين، أشد خطورة في حال أصر بنيامين نتنياهو وحكومته، على سن قوانين أخرى جرى إعدادها.

بدايات الدورة

لم ينجح بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومته إلا في اليوم الأخير للدورة الشتوية، التي اختتمت في اليوم الأخير من شهر آذار/ مارس الماضي، وعليه لم يكن من الممكن استكمال هيئات الكنيست من هيئة رئاسة (نواب) ولجان كنيست، كونها مرتبطة بشكل الائتلاف الحاكم، إذ أنه يتم تركيبها أيضا بموجب الائتلاف الحكومي القائم، الذي يحتفظ لنفسه بالأغلبية في جميع اللجان.
ولأن نتنياهو شكل أكبر حكومة في تاريخ إسرائيل، تضم 30 وزيرا وتسعة نواب وزراء، ولأن هؤلاء لا يمكنهم التواجد الدائم في أروقة الكنيست، ويمنعهم القانون من المشاركة في لجان الكنيست، والتصويت على قراراتها، وهذا أهم عمل برلماني، فقد وجد الائتلاف نفسه من دون "كتيبة" برلمانية تحميه في أروقة الكنيست وفي لجانها، جاهزة للاستنفار في أي لحظة، ولهذا فقد راح يبحث عن وسائل تقلص الضرر الذي من الممكن أن يتلقاه في العمل البرلماني اللاحق.
الخطوة الأولى التي أقدم عليها الائتلاف الحاكم، وبشكل فظ، هي تقليص لجان الكنيست إلى مستوى غير مسبوق، إذ حرم الكتل الصغيرة، وسط تواطؤ بعضها، حتى من المعارضة، من التمثيل المناسب لها في لجان الكنيست، إذ أن هذا التقليص خفف عليه عبء مشاركة الائتلاف في أعمال اللجان، ثم أقر نظاما جديدا، يسمح لنواب الوزراء بالمشاركة والتصويت على قرارات اللجان البرلمانية، ولكن هذه خطوة غير مسبوقة، وتتناقض مع مفاهيم العمل البرلماني واللجان، كون اللجان تراقب عمل الوزارات، وهناك عدد من نواب الوزراء لديهم صلاحيات وزير كاملة، كون لا وزير من فوقهم، مثل نائب وزير الصحة، ونائبة وزير المتقاعدين، وغيرهما.
وكانت الحكومة قبل ذلك قد أقدمت، وفي جلسة استثنائية خلال عطلة الربيع، على تعديل قانون اقرار الموازنة العامة، بحيث يمكنها أن تقر ميزانية عامين في آن واحد، وجرى اقرار القانون بشكل ماراتوني، وبالقراءات الثلاث في يوم واحد، وهو أيضا أمر غير مسبوق، من حيث استراتيجية هذا القانون، وكون أن المعارضة البرلمانية عارضته، ففي الماضي جرى اقرار قوانين بالقراءات الثلاث في يوم واحد، ولكن كانت قوانين تحظى بتأييد المعارضة والائتلاف، نذكر من بينها القانون العنصري الإحتلالي القاضي بضم هضبة الجولان السورية المحتلة إلى إسرائيل، في العام 1981.
ولكن الائتلاف الحاكم لم يكتف بهذا، بل أقدم على سلسلة قوانين وأنظمة تضرب أساليب "اللعبة البرلمانية" مثل نظام السماح لنواب الوزراء بالتصويت في لجان الكنيست، ثم اقتراح قانون يقر بأن الأغلبية المطلوبة لإسقاط الحكومة 65 نائبا من أصل 120 نائبا، بدلا من أغلبية عادية وهي 61 نائبا، على أن يسري هذا القانون فورا، بمعنى أن أي حكومة تعتمد على ائتلاف من 56 نائبا لن يكون بالإمكان إسقاطها بأغلبية 64 نائبا، إلا أن هذا القانون لم يتم عرضه على الكنيست على ضوء احتجاج المعارضة البرلمانية، التي وصلت إلى حد مقاطعة جلسات الكنيست احتجاجا على هذه الخطوات غير الديمقراطية.
وكانت المعارضة احتجت أيضا على طرح قانون يتعلق بشق الكتل البرلمانية، الذي جرى تسميته "قانون شاؤول موفاز"، فالقانون الذي كان قائما، لا يمنح صلاحيات لأي كتلة برلمانية انشقت عن كتلتها الأم، في حال كان عدد المنشقين أقل من ثلث الكتلة البرلمانية، وأن يكون الحد الأدنى لهذا الثلث نائبين.
إلا أن الحكومة بادرت وأقرت قانونا، في جلسة استثنائية عقدت في الأسبوع الأول للعطلة الصيفية، يسمح لسبعة أعضاء كنيست بالانشقاق عن كتلتهم الأم، حتى وإن لم يشكلوا ثلث الكتلة البرلمانية، وقيل أن نتنياهو بادر لهذا القانون بداية بالتنسيق مع الشخصية الثانية في حزب "كديما" المعارض، شاؤول موفاز، المنافس القوي لرئيس الحزب تسيبي ليفني، إلا أنه تبين لاحقا أن لا وجود لتنسيق كهذا، بل إن موفاز شخصيا هو الذي شن هجوما على هذا القانون.
وقيل لاحقا، إنها حرب أعصاب يشنها نتنياهو على حزب "كديما" ورئيسته، لدفعها على الدخول إلى الائتلاف الحاكم، ثم راح "المقربون" من نتنياهو يتحدثون عن أن هناك مجموعة من سبعة نواب، لا تضم موفاز، داخل "كديما" تعتزم الانشقاق عن الكتلة وتشكيل كتلة جديدة، أو حتى الانضمام إلى كتلة الليكود.
والأخطر في هذا القانون، كما هو الحال في نظام السماح لنواب الوزراء بالتصويت في لجان الكنيست، وحتى القانون المقترح بشأن نزع الثقة عن الحكومة، أنها قوانين دخلت وستدخل حيز التنفيذ فورا، رغم ان التقليد القائم يقضي بأن كل قانون من هذا النوع مختلف عليه، ويجري اقراره في الكنيست، يدخل حيز التنفيذ في الدورة البرلمانية التي تبدأ بعد الانتخابات القادمة، إلا إذا أيدت المعارضة تطبيق القانون فورا.
كذلك فإن الائتلاف الحاكم، برئاسة نتنياهو ضرب أساليب اللعبة البرلمانية لدى انتخاب ممثلي الائتلاف والمعارضة في لجنة تعيين القضاء، التي هي مناصفة بين الجهاز السياسي، وبين أذرع الجهاز القضائي، فعادة تم منح الائتلاف المعارضة حق اختيار ممثليها، وكان دائما ممثلا عن حزب المعارضة الأكبر، إلا أن الائتلاف الحاكم نقض هذا التقليد القائم دائما، ودعم ممثل حزب المستوطنين "هئيحود هليئومي"، الذي يدور في فلك الائتلاف الحاكم، على حساب ممثل حزب "كديما" أكبر حزب معارض، وحتى أكبر الأحزاب البرلمانية.

ضرب العمل البرلماني

المشهد الحاصل في الكنيست كان في الدورة الصيفية المنتهية، استمرار للأجواء التي شهدها الكنيست طيلة الولاية السابقة، في ظل حكومة إيهود أولمرت، إذ تم ضرب جدول أعمال الكنيست، والتقليل من شأن العمل البرلماني، وتواصل المشهد الحاصل في جناح اللجان البرلمانية "الفخم"، ليكون جناحا أشبه بـ "مدينة أشباح" أغلب ساعات اليوم وأغلب الأيام البرلمانية، وهو نقيض لما كان قائما في سنوات سابقة، باستثناء حالات قليلة جدا، كان فيها نقاشات حادة حول بعض القوانين.
ومن أهم هذه القوانين ما سمي بـ "قانون إصلاح الأراضي"، الذي في صلبه السماح لما يسمى بـ "دائرة أراضي إسرائيل" ببيع الأراضي، وليس فقط تأجيرها لسنوات طويلة، وهو قانون عارضه في آن واحد، نواب صهاينة عقائديين، كونه "يضرب المشروع الصهيوني" وفيه تخلي المؤسسة الرسمية عن ملكية الأراضي، وبطبيعة الحال عارضته الكتل الوطنية الثلاث الناشطة بين الفلسطينيين في إسرائيل، كونه يهدد الأراضي العربية المصادرة، وأراضي اللاجئين الفلسطينيين.
كذلك فإن جدول الأعمال اليومي للهيئة العامة للكنيست كان هشا، وفي الغالبية الساحقة من الأيام الثلاثة أسبوعية التي تعمل فيها الهيئة العامة، كانت الجلسة تستمر لساعات قليلة جدا، ليتم فضها، مما جعل حضور النواب في أيام كهذه لا يتعدى 50%.
وهذا أمر يتهدد الهيئة التشريعية، ولكنه نتيجة عمل سنوات وقوى "خفية" تسعى دائما إلى تقليص دائرة القرار، وكما جاء في مقالة سابقة هنا، فإن جهات "خفيّة" معنية بتقليص دائرة القرار في إسرائيل، وضرب الجهاز القضائي، وهذه رغبة تلتقي فيها عدة جهات أقواها جهات الطغمة المالية على مختلف تنوعاتها من محلية وخارجية، وحتى تلك المتورطة بجرائم مالية عالمية، ولها أذرع قوية في الحكومة الحالية، لتشارك في هذه المحاولات أيضا جهات سياسية يمينية متشددة ومن بينها مجموعات المستوطنين، تسعى إلى تغيير المنطق الطبيعي للأقلية والأغلبية بهدف تهميش الوزن الانتخابي للفلسطينيين في إسرائيل، وضرب الجهاز القضائي الذي ينتقد في بعض الأحيان جرائم وممارسات الاحتلال وبعض القوانين ذات الطابع العنصري التي تستهدف العرب في البلاد.
وفي حكومة نتنياهو الآن وزير يمثل هذه الأطراف مجتمعة، وهو وزير الخارجية المتطرف أفيغدور ليبرمان، الذي من شروط انضمامه إلى حكومة نتنياهو السعي إلى تغيير النظام بشكل تدريجي، والهدف الأبعد لليبرمان تحويل إسرائيل إلى نظام جمهوري، وكل ما من شأنه أن يقضي على المؤسسة البرلمانية، وكان هذا أحد أهداف ليبرمان حينما انضم لفترة 15 شهرا إلى حكومة إيهود أولمرت السابقة، ولم ينجح في تحقيق شيء بسبب موازين القوى المتضعضعة في حينه.

موازين الائتلاف والمعارضة

ما يميز هذه الدورة البرلمانية، وحتى الولاية البرلمانية كلها، هو أن الانتخابات البرلمانية أفرزت نوعا من الاستقرار السياسي، مقارنة مع الدورات البرلمانية السابقة، رغم خطورة هذه التركيبة القصوى على آفاق حل الصراع.
فقد افرزت الانتخابات أغلبية يمينية متشددة من 65 نائبا، من أصل 120 نائبا، تتفق في ما بينها على سياسة الرفض لكل آفاق السلام في المنطقة، ولأسس الحل، بل تسعى لتعميق الصراع أكثر، من خلال الاستيطان وتوجيه ضربات أكبر لما تبقى من مقومات حياة يومية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقد أدخل نتنياهو إلى حكومته 61 نائبا من أصل 65 نائبا، وابقى خارج الائتلاف كتلة "هئيحود هليئومي"، التي جرى تعريفها وحدها، على أنها كتلة "متطرفة" كون أحد زعماء حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة في عدة دول بينها الولايات المتحدة، عضو كنيست عنها، إلا أنه على أرض الواقع فإن الافكار التي تحملها هذه الكتلة موجودة في جميع كتل اليمين المتطرف التي تشكل الائتلاف، وخاصة حزب "الليكود" بزعامة نتنياهو، وبطبيعة الحال "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان، وكتلة المستوطنين الثانية "هبايت هيهودي".
إلا أن كتلة "هئيحود هليئومي" تدور في فلك الائتلاف الحاكم، وتعتبر كتلة احتياطية جاهزة للانضمام إلى الحكومة، في حال شهد ائتلافها أي ضعضعة.
ومقابل ترك "هئيحود هليئومي" خارجا، ضم نتنياهو إليه كتلة حزب "العمل" برئاسة إيهود باراك، وتضم "عدديا" 13 نائبا، إلا أن هذه الكتلة منشقة عمليا إلى ثلاث مجموعات، الأولى سبعة أعضاء كنيست أيدوا الانضمام إلى الحكومة، رغم أن التأييد كان لستة مقابل سبعة، إلا أن باراك أغرى النائب أفيشاي برافرمان بمنصب وزير فانتقل إلى التأييد، وأربعة نواب ضد الانضمام ويتصرفون كمعارضة بشكل تام، والمجموعة الثالثة تضم نائبين، يتأرجحان في الوسط.
وعمليا فإن الائتلاف الحاكم قد يشهد أزمة محدودة في كتلتين، ولكن ليس بالشكل الذي يهدد أغلبيته، وهما كتلة "العمل" بسبب النزاع الدائر فيها، وكتلة "يسرائيل بيتينو" بسبب التوصية بتقديم زعيمها ليبرمان إلى المحاكمة بتهم الفساد والرشاوى وتبييض الأموال.

الأزمة في حزب "العمل"

تصاعدت الأزمة في حزب "العمل" في الأيام الأخيرة، ووصلت إلى ذروة جديد، والعائق الوحيد أمام الانشقاق الكلي للكتلة البرلمانية، هو أن النواب الأربعة "المتمردين" على زعيم الحزب باراك بحاجة إلى نائب خامس لاستيفاء شرط الانشقاق، وهو أن لا يقل عدد النواب عن ثلث أعضاء الكتلة.
ولهذا فإن النواب الأربعة قرروا التوجه إلى المحكمة العليا بالتماس يطلبون فيه أن يسري عليهم ما اصطلح على تسميته "قانون موفاز"، الذي يسمح لكتلة برلمانية من سبعة نواب بالانشقاق، حتى وإن لم يكونوا ثلث كتلتهم الأم، وهذا لكونهم يشكلون 30% من الكتلة.
"والمشكلة" هو أن هنا أكثر من نائب بإمكانه الانضمام إلى مجموعة الأربعة، فهناك النائبة شيلي يحيموفيتش، التي تتصرف كمعارضة بكل ما في الكلمة من معنى، إلا أنها على قناعة، حتى الآن، بأنه يجب عدم شق الكتلة، وفسح المجال أمام تطورات قد تدفع بكل الكتلة إلى خارج الحكومة، ولكن احتمالا كهذا غير مرئي في عهد إيهود باراك.
كذلك هناك النائب دانييل بن سيمون، الذي يتولى رئاسة الكتلة البرلمانية، رغم معارضته للانضمام إلى الحكومة، وهو يصوت إلى جانب الحكومة في قضايا معينة، ولكنه "يهرب" من الجلسة في قضايا خلافية معها، كي لا يصوت ضدها، ولكنه ألمح إلى أنه قد يقرر لاحقا الانضمام كليا إلى كتلة "الأربعة" لاستكمال شرط الانشقاق عن كتلة "العمل".
وما صعّد الخلاف بين المعارضين وبين باراك في الأيام الأخيرة، كان إقرار تعديلات على دستور وأنظمة الحزب، بادر اليها باراك، مدعوما من رئيس اتحاد النقابات العامة، "الهستدروت"، عوفر عيني، تمنح رئيس الحزب صلاحيات أكبر وتبعده عن المنافسة على رئاسة الحزب، التي كان من المفترض ان تتم في ربيع العام المقبل، أي مع مرور عام على الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
على الأغلب فإن الدورة الشتوية التي ستبدأ بعد الثلث الأول من شهر تشرين الأول/ اكتوبر المقبل، ستشهد تطورا على صعيد الخلاف داخل كتلة العمل، إن كان من خلال ايجاد "النائب الخامس" وشق الكتلة بموجب القانون القائم، أو الحصول على موافقة المحكمة العليا لالتماس الأربعة، أو حتى التوصل إلى اتفاق داخل الكتلة حول الانشقاق، وهو أمر ممكن من ناحية قانونية.
ولكن هناك عقبات كبيرة ستواجه الكتلة المنشقة، وعلى رأسها مسؤولية أعضائها عن قسم من ديون حزب "العمل"، إذ أن الحزب على شفا الانهيار المالي، وهو الحزب الذي يسجل أكبر حجم من الديون، وقد بلغت الديون حتى شهر شباط/ فبراير الماضي، أي بعد الانتخابات، حوالي 30 مليون دولار.
إلا أن المنشقين قد يطلبون في المقابل تسجيل بعض من الأملاك العقارية للحزب، في حال طُلب منهم المشاركة في تغطية ديون الحزب.

على أي حال فإن الائتلاف الحاكم لن يتأثر كثيرا من انشقاق كهذا، كون أن المتمردين في الحزب لا يتم احتسابهم في الميزان الفعلي للمعارض والائتلاف، ضمن قوة الائتلاف الفعلية في الهيئة العامة للكنيست، فالائتلاف لديه عمليا 69 نائبا، مقابل 46 نائبا في المعارضة، و5 معارضين من حزب "العمل".

يسرائيل بيتينو وملف ليبرمان

على غير عادة، فقد ساد "الهدوء التام" الحلبة السياسية، لدى إعلان الشرطة عن توصيتها للنيابة العامة بتقديم لائحة اتهام ضد وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، قد تكون الأخطر، التي تقدم ضد سياسي إسرائيل بهذا المستوى.
إذ تتهم الشرطة ليبرمان بتلقي أموالا غير مشروعة وتبييض أموال، والحصول على رشاوى، ومحاولة عرقلة عملية التحقيق، وحتى تهديد أو محاولة ابعاد شهود ضده، ويجري الحديث عن ملايين الدولارات وصلت إلى جيب ليبرمان بعدة قنوات، وأبرزها اقامة شركات وهمية، منها ما تم تسجيله في قبرص، وبإدارة ابنة ليبرمان، في حين ان مساعدين لليبرمان كانوا يتسلمون الأموال ويتم نقلها إلى ليبرمان على مدى سنوات.
ويجري الحديث بقوة في إسرائيل عن أن هذه القضية قد تصل أذرعها إلى جهات الاجرام، وجهات الاجرام المالي العالمية، خاصة وأن ليبرمان كان قد واجه تحقيقات في النصف الثاني من سنوات التسعين حول علاقاته بالمافيا الروسية، وغيرها من التحقيقات، التي كان يفلت منها، إلى أن سقط في فخ غير محسوب حين وقع ملف "خطير" حول حساباته المالية في قبرص بيد عضو الكنيست ميخائيل نودلمان، الذي كان من حزب "يسرائيل بيتينو" وانتقل إلى حزب "كديما" في العام 2006.
ففي العالم 2006 وحين تسلم نودلمان مكتبه البرلماني في الكنيست وصل اليه عن طريق الخطأ هذا المغلف السميك، الذي اطلع عليه ونقله مباشرة إلى مراقب الدولة، الذي نقله بدوره إلى المستشار القضائي للحكومة، وكما نشر لاحقا، فإن في هذا المغلف كان الكثير من الوثائق التي تدعم الشبهات التي دارت على مدى سنوات ضد ليبرمان، ولم تنجح الشرطة في اثباتها.
وليس صدفة أن ليبرمان، وخلال المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة، سعى لوضع اليد على كل أذرع الشرطة وجهاز القضاء، وكما يتأكد، بسبب ورطته الجنائية، فقد خاض أفيغدور ليبرمان الانتخابات البرلمانية، على رأس حزبه "يسرائيل بيتينو"، بحملة انتخابية عنصرية موجهة ضد فلسطينيي 48، أساسا، ولكن أيضا تحت شعارات تدعو لتخفيف حدة القوانين الدينية، والسماح بالزواج المدني وغيره، معبرا عن أفكاره العنصرية في الشق الأول، ومسايرا لجمهور المهاجرين الجدد في الشق الثاني، وكان هذا أحد أسباب تحقيقه قفزة كبيرة في تحصيله الانتخابي وفوزه بـ 15 مقعدا، بدلا من 11 مقعدا في الانتخابات السابقة، من أصل 120 مقعدا.
أما بعد الانتخابات، ومع بدء المشاورات لتشكيل الحكومة، أظهر ليبرمان أجندة أخرى، حافظ فيها على الشق العنصري، ولكنه أبدى تساهلا كبيرا في الشق المدني الثاني، إلى درجة التنكر له، وهذا كي يتسنى له وضع يده على الحقائب الوزارية ذات العلاقة بالشرطة وجهاز القضاء، فحصل على حقيبة "الأمن الداخلي" المسؤولة عن الشرطة وأسندها لنائب من حزبه، يتسحاق أهارنوفيتش، وحينما حاول الحصول أيضا على حقيبة القضاء، ثارت ضجة كبيرة، واكتفى بحل وسط، وهو أن يتم تعيين شخص من خارج الأحزاب شرط أن يرشحه بنفسه، وكان المحامي يعقوب نئمان المعروف بعنصريته.
و"لتكتشف" الساحة الإسرائيلية لاحقا، أن نئمان أيضا يتوافق مع ليبرمان ومعهما رئيس الحكومة نتنياهو، بضرورة ضرب جهاز القضاء في عدة مستويات، بداية جرى تعديل لجنة تعيينات القضاة، بحيث أن كل ممثلي الحكومة والمعارضة هم من المستوطنين وأشد المتطرفين، وجميعهم مقربين من ليبرمان، وكان هذا بمثابة رسالة إلى المحكمة العليا، وبعض جيوب التوجهات اليسارية في جهاز القضاء.
وهذا كله لم يكن صدفة، بل محاولة للسيطرة على الجهاز الذين ستكون مهمته ملاحقة ليبرمان بالجرائم التي ارتكبها، ومن المثير جدا مراقبة كيف ستتطور قضية ليبرمان على خلفية هذه الحقائق.
إلا أن الحلبة السياسية، وكما ذكر، لم تكن على عادتها، كما شهدنا ذلك في ظل حكومة إيهود أولمرت، ولم تثر ضجة حول توصية الشرطة بمحاكمة ليبرمان، إذ لم يطالب أحد ليبرمان بتجميد صلاحياته كوزير خارجية، كما لم يطالب أحد رئيس الحكومة بتجميد صلاحيات وزيره.
وحينما نقول "أحد" فهذا يشمل المعارضة قبل الائتلاف، فحين كانت الشرطة توصي بمحاكمة إيهود أولمرت في ملفات عدة، كانت تثار ضجة تطالب بإقالته وتجميد صلاحياته، إن كان من المعارضة التي باتت حاكمة اليوم، أو حتى من حزب "كديما" الذي بات معارضا اليوم، إلى جانب الكتل الصغيرة.
و"صمت الموتى" هذا ليس صدفة، لأن أنماط الخطاب السياسي والصراعات الحزبية لم تنقلب إلى هذا الحد، في غضون أقل من عام، ولهذا فإن السبب يعود إلى حالة خوف ورعب، لفهم الكثير من السياسيين لحقيقة من يقف إلى جانب ليبرمان في الجرائم التي ارتكبها، وهذا يعكس مدى تغلغل أذرع جهات الإجرام في المؤسسة الإسرائيلية.
أما في الجانب السياسي والبرلماني، فبداية، فإن التوصية النهائية التي ستصدر عن النيابة والمستشار القضائي للحكومة، بشأن تقديم لائحة الاتهام، ستحتاج لأشهر طويلة، وطويلة جدا، نظرا "لكبر الملف" حسب النيابة، ولا عجب أن يستغرق الامر عاما كاملا أو أقل بقليل، وحتى ذلك الحين فإن القانون لا يلزم ليبرمان بتجميد صلاحياته أو الاستقالة من الحكومة، وهو الاجراء الملزم في حال قررت النيابة تقديم لائحة اتهام.
وفي حال استقال ليبرمان فإن الإشكالية الوحيدة التي ستقف أمام مواصلة شراكة حزبه في الحكومة، هي مصير ملف وزارة الخارجية، إذ يطلب ليبرمان الاحتفاظ بها لحزبه، وهو ما يعارضه حزب الليكود، وحتى نتنياهو، ولكن على "نار هادئة"، إذ لا توجد شخصية مقنعة في حزب "يسرائيل بيتينو" لتولي هذا المنصب.
ولكن السيناريو الأقوى هو أن يستقيل ليبرمان ويبقى حزبه، وفي حالة كهذه،
فإن ليبرمان سيبقى حاضرا يمسك بجميع الخيوط، من وراء الكواليس أو حتى أمامها، لأن حزب "يسرائيل بيتينو" هو "حزب الرجل الواحد"، وصاحب القرار الوحيد هو ليبرمان نفسه، وهو الذي يقرر بكل كبيرة وصغيرة، ولهذا فإن مسألة بقاء الحزب أو انسحابه من الائتلاف الحاكم ستكون مرتبطة بقرار من ليبرمان شخصيا، وبموجب ما تتطلبه مصلحته الشخصية.
وقد كانت تجربة كهذه في السنوات السابقة، حين استقال ليبرمان من الكنيست ليكون وزيرا فقط، ثم انسحب من الحكومة، ليفقد عمليا حضوره البرلماني، ولكنه بقي الشخص المقرر لكتلة حزبه في حينه.

دورة شتوية غير اعتيادية

ينهي الكنيست عطلته الصيفية في الحادي عشر من تشرين الأول/ اكتوبر المقبل، ليبدأ دوره شتوية تستمر حتى منتصف آذار/ مارس من العام المقبل، ولكنها ستكون دورة شتوية لم يألفها الكنيست منذ 61 عاما، فلأول مرة، ومع علم مسبق، لن تنشغل هذه الدورة، لنصف مدتها الأولى باقرار ميزانية العام الجديد، إذ أن الكنيست أقر ميزانية العام 2010 سوية مع العام 2009، في منتصف الشهر الماضي.
وهذه الخطوة، التي سمح بها تعديل للقانون القائم، هدف منها نتنياهو ضغوطات مفترضة على ائتلافه الحكومي عند اقرار كل ميزانية.
على الأغلب فإننا أمام دورة شتوية، بادرة سياسيا، قد يكون نجمها الأوضاع الداخلية في كتل الائتلاف، وحتى المعارضة، فمثلا، إذا تحدثنا عن أزمتي "العمل" و"يسرائيل بيتينو"، فإن الوضع ليس مستقرا في كتلة، "هبايت هيهودي" التي تضم ثلاثة نواب، وهي في الائتلاف، كما أن المنافسة والصراع بين تسيبي ليفني وشاؤول موفاز، على رئاسة حزب "كديما" قد يحتل أيضا حيزا في الحراك السياسي.
ومن غير المستبعد أن نشهد تحركا سياسيا خارقا و"انقلابيا" لحكومة نتنياهو في اتجاه العملية التفاوضية، مما يؤثر على وحدة الائتلاف الحاكم، فحتى وإن أقدم نتنياهو على مفاوضات جدية، فقد يجد كتلة "هبايت هيهودي" وحدها تحتج، والى جانبها بعضا قليلا من كتلة الليكود، ولكن ليس بشكل يؤثر على مكانة واستقرار الحكومة.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر