إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



الإجماع إسرائيلي بعد مؤتمر فتح

السبت 15/8/2009
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

لم يغب يوما الإجماع الإسرائيلي الصهيوني في دائرة القرار وأحزاب الحكم، حول القضايا الجوهرية والإستراتيجية، خاصة ذلك المتعلق بالصراع الشرق الأوسطي وشكل الحل، وما هو حاصل على أرض الواقع في الحلبة السياسية الإسرائيلية، هو اختلاف في لهجة الخطاب، الذي يغلف المواقف الجوهرية، ومهما اختلفت الخطابات يبقى الجوهر واحد.
بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في فبراير الماضي، وسقوط حكومة إيهود أولمرت، بتنا نسمع نغمة مختلفة من قادة الحكومة السابقة، مثل وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، التي تتزعم أكبر حزب معارض، "كديما"، ففجأة باتت تكثف دعواتها لإجراء مفاوضات مكثفة مع الفلسطينيين، وتحذر من عدم قبول حل الدولتين، وغيرها، في محاولة مكشوفة لتقولب ليفني حزبها في خانة "الاعتدال"، أو التيار الوسط في إسرائيل.
وهذا رغم أن حكومة أولمرت- ليفني قد أجرت مفاوضات مع الجانب الفلسطيني على مدى أكثر من عامين، لم تفض إلى شيء، بسبب مواقف حكومتها المتعنتة، فمثلا، إذ كان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يتشرط اليوم على الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كـ "دولة الشعب اليهودي"، بما يحمل هذا التعريف من أخطار، فإن نتنياهو استعار هذا المطلب من ليفني ذاتها، حين كانت وزيرة للخارجية، وطرحت هذا المطلب قبل مؤتمر أنابوليس في خريف العام 2007، وسكتت عنه، فقد حين أدركت أن شرطا كهذا سيمنع عقد المؤتمر نظرا للمعارضة الفلسطينية والدول العربية التي شاركت في ذلك المؤتمر.
ورغم كل محاولات ليفني وشخصيات قيادية في حزبها خلال الأشهر الماضية، إظهار نوع من التميّز كمعارضة، وتغيير لون جلدها السياسي، إلا أنها ظهرت "فجأة" هي وزملاؤها في الحزب، بعد انتهاء مؤتمر حركة فتح في بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة، تتخذ موقفا مشابها لموقف حكومتها، من حركة فتح وقادتها.
فقد كانت الأجواء العامة في سدة الحكم خلال وبعد مؤتمر فتح تبث حالة "خيبة الأمل" من المؤتمر، الذي "تطرف كثيرا"، وفق العبارة التي رددها عدد من قادة الأحزاب الكبرى في إسرائيل، ثلاثة منها في حكومة نتنياهو، والرابع "كديما" بزعامة ليفني.
فقادة في حزب "الليكود" بزعامة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اعتبروا قرارات المؤتمر والخطاب السياسي الصادر عنه، خاصة في ما يتعلق بملفي القدس واللاجئين، بمثابة "إعلان حرب"، كما قال الوزير يولي ادلشتاين، فيما اختار نتنياهو، قبل أيام، ذاته إرسال رسالة إلى الفلسطينيين مفادها أنه لن يخلي أي مستوطن في الضفة الغربية والقدس من مستوطنته، لدى حديثه عن مستوطني قطاع غزة، الذين تم إخلاؤهم قبل أربع سنوات، إذ قال "إن هذا خطأ لن نكرره ولن نخلق جمهور مبعدين جديد".
أما وزير الحرب إيهود باراك، وزعيم حزب "العمل"، فقال، "إن الخطاب الصادر عن مؤتمر حركة فتح، والمواقف السياسية التي نسمعها من هناك خطيرة ومرفوضة علينا"، ليتبعه وزير الخارجية زعيم حزب "يسرائيل بيتينو" أفيغدور ليبرمان قائلا، "إن المواقف المتطرفة، غير المتساهلة التي يتخذها الفلسطينيون في قضية القدس وحق العودة والاستيطان، تخلق فجوة بينهم وبيننا، ليس من الممكن جسرها".
وإن كانت هذه الأحزاب الثلاثة تشكل حكومة نتنياهو وتسير حسب برنامجها، فإن حزب "كديما" المعارض، اختار اتخاذ الموقف ذاته، كما جاء على لسان الوزير السابق، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة الأسبق، آفي ديختر، الذي قال، "إن لا فائدة من التفاوض مع القيادة الفلسطينية الحالية"، داعيا إلى "الالتفاف" عليها من خلال إعادة النظر بالمبادرة العربية للسلام.
وألحق ديختر موقفه هذا، بموقف رافض بشكل كلي، لإطلاق سراح النائب الفلسطيني الأسير والقيادي في حركة فتح، مروان البرغوثي، في إطار أي صفقة لتبادل الأسرى، وهو الموقف الذي تبنته أيضا ليفني.
وكما يبدو فإن المشهد الحاصل في سدة الحكم الإسرائيلي على مختلف تنوعاته، بعد متابعة مؤتمر فتح، أن الرهان على "الاعتدال" بالمفهوم الإسرائيلي، بمعنى التنازل عن الثوابت الفلسطينية، قد سقط عمليا في مؤتمر فتح، ولهذا سمعنا رئيس الحكومة نتنياهو يتحدث في جلسة حكومته الأسبوعية عن "رغبته" في التفاوض مع قيادة فلسطينية "أكثر اعتدالا"، وهو تعبير إسرائيلي بالإمكان ترجمته عربيا وفلسطينيا إلى "أكثر استسلاما".
ولكن هذا المشهد يبقى في إطار "وكأن"، لأن في حقيقة الأمر فإن ظهور قادة إسرائيل وكأنهم متفاجئون من نتائج مؤتمر فتح، ما هو إلا مراوغة إعلامية، لأنهم يدركون حقيقة أنه لا يمكنهم إيجاد فلسطيني واحد على استعداد للتوقيع على حل دائم تخطط له إسرائيل، وحتى وإن وجدوا فلسطينيا كهذا، فهم على يقين أن اتفاقا كهذا سيبقى حبرا على ورق.
فالوزير ديختر السابق ذكره، في حكومة إيهود أولمرت، يقول في مقابلة للإذاعة الإسرائيلية قبل أيام: "خلال المحادثات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس واجهنا صعوبات في التوصل إلى اتفاقيات"، وهذا يكشف زيف كل ما كان يشاع خلال الفترة السابقة عن تقدم هنا وهناك في المفاوضات السابقة.
إن مؤتمر فتح لم يبتكر مواقف جديدة، بل نطق بما ينطق به الإجماع الفلسطيني بشأن ثوابت المشروع الوطني الفلسطيني، وأسس الحل الدائم، الذي هو بمثابة الحل الأدنى الذي من الممكن أن يقبله الفلسطينيون، وهذا ما تدركه أيضا القيادة الإسرائيلية، التي أرادت من إظهار عامل المفاجأة أن يكون مبررا جديدا لها للهروب من المفاوضات الجدية، وأسس الحل.
وحقيقة إسرائيل اليوم، تبدو أوضح من ذي قبل، بسياستها الرافضة لحل الصراع، وترى بالمماطلة وسحب الوقت فرصة ذهبية لها لتثبيت وقائع أكثر على الأرض الفلسطينية، وقائع من شأنها أن تدمر كل إمكانية لإقامة دولة فلسطينية قادرة على الحياة.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر