إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



مسرحية "تجميد الاستيطان"

الجمعة 28/8/2009
برهوم جرايسي- "الغد" الأردنية

عادت في اليومين الأخيرين تظهر أنباء في إسرائيل "تتحدث" عن أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يواجه "ضغوطا من صقور حزب الليكود"، كي "لا يرضخ ويقبل بتجميد الاستيطان"، أو بعبارة أخرى "كي لا يتجه يسارا"، وأن لا يقبل بتجميد الاستيطان المؤقت في الضفة الغربية المحتلة.
وحين يذكر الإعلام الإسرائيلي مصطلح "صقور الحزب"، فإن القصد الخفي من وراء هذه العبارة أن نتنياهو ليس في ذلك المعسكر، وقد يسعى البعض إلى إظهاره في مظهر "حمائمي" أمام المتشددين في حزبه.
وهذا المشهد يتكرر، في كل مرّة يتجدد فيها الجدل حول مطلب الدولي بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، وأيضا حين تزعم "مصادر مقربة" من نتنياهو، أن الأخير يحاول إيجاد حل، من خلال تجميد مؤقت، وحتى أن جهات سياسية إسرائيلية تزعم أن التجميد قائم فعليا منذ الآن.
والوقائع على الأرض ليست بحاجة إلى أي تقرير رسمي، أو غير رسمي، للتأكيد على أن آليات الاستيطان لم تتوقف للحظة واحدة في جميع أنحاء الضفة الغربية، ولا توجد مستوطنة واحدة حاليا خالية من أي مشروع بناء، فإسرائيل الرسمية تعترف بوجود 2500 بيت في مراحل مختلفة من البناء، وهذا عدا عن مئات البيوت التي يبنيها المستوطنون بأنفسهم.
وحين تدعي إسرائيل أنها لم تنشر أي عطاء للبناء في المستوطنات، منذ أن تشكلت حكومة نتنياهو، فهذا لأن حكومة إيهود أولمرت السابقة أودعت بيد نتنياهو عطاءات مقررة نهائيا وأرسيت على مقاولين، للشروع ببناء آلاف البيوت الاستيطانية في القدس وسائر أنحاء الضفة.
وإسرائيل كما إسرائيل دائما، رأت في "الجدل" الظاهر فرصة لعرض مطالب من الجانب الآخر، فهي تطلب ثمنا مقابل "التجميد المؤقت" المزعوم، على شكل خطوات تطبيعية واسعة من غالبية الدول العربية، وتشترط على واشنطن، بأنه من دون خطوات كهذه، فإنها ترى نفسها في حلّ من أي قيود على الاستيطان.
وهذا الأمر يذكرنا بما يتندر به اليهود في إسرائيل دائما وهي الحكاية الشعبية عن "الحاخام والعنزة"، إذ تقول أن فقيرا ذهب إلى الحاخام (رجل دين يهودي) يشكو أمر ضيق منزله الذي هو عبارة عن غرفة واحدة، يعيش فيها مع زوجته وأولاده الستة، وسأل الحاخام عن حل لهذه الضائقة، فسأله الأخير: وأين تضع الطيور والحيوانات، فأجاب الفقير، في عريشة في الخارج.
فطلب منه الحاخام أن يُدخل إلى الغرفة العنزة لتقيم معه، فاستهجن الفقير ولكنه فعل، وعاد بعد يومين ليشكو أن الضائقة زادت، فطلب الحاخام إدخال الطيور التي يربيها، ففعل الفقير منصاعا للنصيحة، وعاد بعد يومين ليشكو تفاقم الضائقة، فطلب منه الحاخام إدخال البقرة، ففعل وعاد بعد يومين ليبلغ الحاخام أن الحياة لم تعد تطاق.
حينها طلب منه الحاخام أن يُخرج العنزة من الغرفة، ففعل وعاد بعد يومين ليقول إن الضائقة خفت ولكنها ما زالت باقية، فطلب الحاخام إخراج الدجاج، وبعد أيام طلب منه إخراج البقرة، فعاد الفقير بعد أيام ليبلغ الحاخام أن وضعه بات أفضل بكثير، رغم أنه عاد ليعيش في ضائقته الأساسية.
وهذا هو الحال مع إسرائيل وحكوماتها، التي تكثف جرائمها ضد الشعب الفلسطيني على مختلف المستويات، وحين "تخفف" هذه الجرائم في مرحلة ما، يعتبر البعض أن "التخفيف" هو الفرج بحد ذاته، ولكن الحال يبقى سيئا وأسوأ.
إن حكاية تجميد الاستيطان المؤقت لا تبعد إطلاقا عن حكاية ذلك الحاخام، لا بل تعكسها، ونتنياهو نفسه، طلب من الصحفيين الذين رافقوه في جولته الأوروبية هذا الأسبوع، أن يعرفوا موقفه الحقيقي من خلال مراجعة الكتاب الذي نشره قبل نحو عامين، وفيه يؤكد على موقفه الداعي لتثبيت كافة المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وتطويرها، بزعم أنه لا يمكن تجميد "الحياة الطبيعية والتكاثر الطبيعي"، لمجتمع استيطاني غير طبيعي.
نحن أمام مسرحية إسرائيلية اسمها "تجميد مؤقت للاستيطان"، وإذا كانت دول القرار العالمي جادة في موقفها المعلن، فإنه من دون ضغوط حقيقية، لا نلمسها حتى الآن، على إسرائيل، فإن الاستيطان وكافة الممارسات الإسرائيلية ستستفحل.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر