إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



حقيقة نتنياهو بوزرائه

السبت 29/8/2009
برهوم جرايسي- "العرب" القطرية

ثارت في إسرائيل في الأيام الأخيرة ضجة في وسائل الإعلام الإسرائيلية ضد عدد من وزراء حكومة بنيامين نتنياهو، على خلفية تصريحاتهم "المحرجة" لإسرائيل خارجيا، وحتى داخليا، ووصل الأمر إلى حد مطالبة نتنياهو بلجمهم، وحتى إقالة وزير الخارجية العنصري بامتياز، أفيغدور ليبرمان.
فقبل أيام انفلت عدد ليس بقليل من الوزراء الإسرائيليين ضد أي حديث عن "تجميد مؤقت" مزعوم للاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وقام أربعة منهم، بينهم نائبان لنتنياهو، بزيارة إلى البؤر الاستيطانية بالذات، ليدعون من هناك إلى تثبيت هذه البؤر وجعلها مستوطنات كباقي المستوطنات، وهذا بحسب القاموس والمنطق الإسرائيلي الإحتلالي يعني عدم اقتلاعها كليا في أي مرحلة وفي ظل أي اتفاق.
وراح وزير ما يسمى بـ "التهديدات الاستراتيجية" موشيه يعلون، ليدعو في هذه الزيارة إلى إعادة الاستيطان في أقصى شمال الضفة الغربية، بعد أن كان الاحتلال قد أخلى قبل أربع سنوات أربع مستوطنات صغيرة من تلك المنطقة.
ويعلون هذا كان رئيسا لأركان جيش الاحتلال حتى ربيع العام 2005، وهو مجرم حرب، وقد قتل بيديه القائد الفلسطيني خليل الوزير، ابو جهاد، في منزله في تونس، في ربيع العام 1988، وهو معروف بدمويته، وهناك من يفترض أنه منافس مستقبلي لنتنياهو على رئاسة حزب "الليكود"، ولم يستكف يعلون بهذا المطلب، بل القى خطابا سياسيا شديد التطرف، أمام أفراد في عصابات المستوطنين، أعضاء في حزب الليكود، شن فيه هجوما على حركات إسرائيلية مناصرة للسلام والحق الفلسطيني، واعتبرها "جرثومة" في الكيان الإسرائيلي.
وقبل أيام ظهر من جديد وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان ليعلن في حديث واضح للصحفيين أنه بعد مرور 16 عاما على المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين لم يحصل أي تقدم، وهو لا يرى تقدما كهذا حتى بعد 16 عاما إضافية من الآن.
ورسالة ليبرمان واضحة، وهي أن وجهة إسرائيل ليست لحل الصراع، وإنما الحفاظ على الوضع القائم، مع تغيير لصالح إسرائيل وليس العكس، ولكنه أعلن في نفس الوقت أنه لن يقف أمام أي تقدم في المفاوضات، في إشارة واضحة إلى أن مفاوضات كهذه ستفشل من تلقاء نفسها، بسبب الممارسات الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية وضد الشعب الفلسطيني ككل.
وفي يوم واحد اندفع لا أقل من ثلاثة من أبرز صنّاع الرأي في إسرائيل وكتبة المقالات السياسية، للدعوة إلى إقالة ليبرمان من منصبه كوزير خارجية، بدعوى أن يتسبب بضرر للسياسة الخارجية الإسرائيلية، وقال المحلل السياسي البارز في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، ألوف بن، "في انتظار بنيامين نتنياهو مع عودته من جولته في أوروبا، مهمة وطنية هامة: إزاحة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان عن منصبه. الضرر الذي ألحقه أفيغدور ليبرمان عن الدولة وعلاقاتها الخارجية يحتد أكثر.... وعلى نتنياهو أن يصحو وان يضع حدا لذلك".
ويضيف الكاتب بن، إن "ليبرمان يجد صعوبة في أداء دوره لسبب بسيط: المقاطعة والعزلة التي فرضتها عليه دول العالم. مصر لا تغفر له الاهانات التي وجهها لرئيسها، وإثر ذلك تجاهله أيضا للحكومات العربية الأخرى. الأوروبيون والأمريكيون التقوا معه مضطرين، وأوضحوا شعورهم السيء تجاهه من خلال تقليل مستوى اللقاءات معه، ودعوة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لنتنياهو لاستبدال وزير خارجيته. أما الروس الذين اعتقد ليبرمان انه سيكون حليفا لهم دعوه إلى موسكو بالتزامن مع لقاء مع (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس) خالد مشعل".
وجوهر ما كتبه بن، كان في باقي المقالات "المنددة" بنهج ليبرمان، ولكن المشترك في هذه المقالات، أنها لم تعالج الجوهر، بل رأت أن أسلوب كلام ليبرمان هو المشكلة الوحيدة في السياسة الإسرائيلية، وليس الممارسات الإسرائيلية الاحتلالية.
والحقيقة الأخرى التي اختار الكتاب غض الطرف عنها، هي أن ليبرمان ليس وحيدا في حكومة نتنياهو، بل إن الغالبية الساحقة من الوزراء الثلاثين في هذه الحكومة، مصنفين ضمن اليمين العنصري المتشدد، والمتوافق مع أفكار أشد عصابات المستوطنين، فمن بين الوزراء، هناك خمسة وزراء لحزب "يسرائيل بيتينو"، بزعامة ليبرمان ومنصاعين لمواقفه، وأربعة وزراء من حزب "شاس" الديني الأصولي الذي يتشدد في مواقفه اليمينية مؤخرا، ووزير من حزب المستوطنين "هبايت هيهودي"، ووزير القضاء "المستقل" والمتطرف.
ولا أقل من سبعة وزراء من أصل 14 وزيرا من حزب "الليكود" الذي يتزعمه نتنياهو، هم في صلب المعسكر العنصري المتشدد، بمعنى لا أقل من 17 وزيرا سيعارضون أي زحزحة في الموقف الإسرائيلي المتعنت، في حين أن غالبية الوزراء الباقين جوهر مواقفهم قريبة جدا من مواقف زملائهم.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل نتنياهو حقا أقل تشددا من الوزراء في حكومته؟، ونتنياهو قدم الجواب على هذا التساؤل، حين دعا الصحفيين الذين رافقوه في جولته الأوروبية قبل أيام، أن يعرفوا موقفه الحقيقي من خلال مراجعة الكتاب الذي نشره قبل نحو عامين، وفيه يؤكد على موقفه الداعي لتثبيت كافة المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وتطويرها، بزعم أنه لا يمكن تجميد "الحياة الطبيعية والتكاثر الطبيعي".
إن نتنياهو الذي يتقن عادة القيام بدور الحرباء في تلونه أمام قادة الحلبة الدولية، سيسعى في المرحلة القريبة للظهور بصياغات "متساهلة"، وتعابير لربما "جميلة" عن آفاق السلام، ولكن حقيقة وجوهر نتنياهو نسمعها من وزرائه، وصراحة ليبرمان ليست غباء يتملكه، بل هو أيضا جزءا من لعبة تقسيم الأدوار الإسرائيلية، تجاه الحلبة الدولية، ولكن أيضا تجاه الرأي العام الإسرائيلي، ولهذا فإن الحكم على نتنياهو ليس بما يقوله هو بالذات، وإنما بما يكشف عنه وزراؤه تباعا، والحقيقة التي ينطق بها هؤلاء، هي أن إسرائيل بتركيبتها الحالية ليست معنية بأي تقدم وأي حل للصراع، لا بل تأزيمه أكثر.

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر