إقتصادي إجتماعي
قضايا سياسية عامة
تقارير خاصة
مع الحدث
مقالات الضيوف



المصلحة الإسرائيلية في دوامة التجميد

الجمعة 11/9/2009
برهوم جرايسي- "الغد" الأردنية

في إضاءة على دائرة الجدل الإقليمي والعالمي حول مسألة المطلب الأميركي من إسرائيل بتجميد الاستيطان، نجد أن الدهاء الإسرائيلي، مستعينا بالتراخي الأميركي في هذا الملف، جعل مما كان يجب أن يكون أزمة ضاغطة على إسرائيل، مصلحة إسرائيلية من خلال جر القضية إلى زوايا هامشية، بهدف المماطلة وكسب الوقت، وحجب النظر عن القضايا الجوهرية.
فقبل خمسة أشهر، وحين ظهر لأول مرّة مطلب الإدارة الأميركية، برئاسة باراك أوباما، من إسرائيل بتجميد الاستيطان كليا ودون أي استثناء، دفعتنا رغبتنا بالتعلق بالنظرة التفاؤلية، للاستبشار خيرا، وإن كان دافع الشك أبقى على تحفظ كبير من مستقبل الموقف الأميركي.
واليوم وبعد هذه الأشهر، نجد أنفسنا أمام دوامة اسمها "تجميد الاستيطان"، فالتجميد بات "جزئيا"، وإسرائيل تصر على أنه تقليص، وليس تجميدا، وتكثر التقارير الإسرائيلية التي تتحدث عن تنسيق تام في الموقف مع الإدارة الأميركية، حول قرار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالمصادقة على مئات البيوت الاستيطانية، قبل أن يعلن عن التجميد المؤقت، الذي لن يشمل القدس المحتلة، ولا 2500 بيت استيطاني في مراحل مختلفة من البناء، وعادت إسرائيل لتشعر نفسها في بحبوحة، وتطالب بالثمن سلفا، حتى وإن ما تقدمه لا يستحق أي التفات.
ولكن ما هو أخطر من هذا، أنه في خضم النقاش حول التجميد أو عدمه، غابت جميع الملفات الحارقة والجوهرية عن جدول الأعمال السياسي والإعلامي، ونذكر منها، أن هناك منطقة على خارطة فلسطين تسمى قطاع غزة، ترزح تحت حصار تجويعي يشتد ولا يتراجع، وأكثر من 1,3 مليون نسمة يواجهون خطر العطش وانتشار الأمراض الخطيرة، ولا حاجة للحديث عن الشهر الفضيل ولا عن العيد القريب، لأن المعركة على القوت اليومي أشد حرقة.
كذلك هناك ملف القدس، ليس فقط ما يتعرض له الحرم القدسي الشريف، بل بالأساس ما يتعرض له أكثر من 250 ألف فلسطيني من عزل وإفقار وتجويع، وسلب ونهب أراضي واستيطان، ناهيك عن وضع الضفة الغربية ككل.
و"يتطوع" المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، "مشكورا"، ليذكرنا أنه حتى وقت قريب كان للإدارة الأميركية مطلب بإزالة 23 بؤرة استيطانية، من أصل 110 بؤر استيطانية تنهش بأراضي الضفة الغربية، بعيدا عن الأنظار، ليتكشف لنا، أنه في غياب طرح هذا الملف في هذه المرحلة في خضم زوبعة "التجميد"، بدأت حكومة بنيامين نتنياهو تعرض مخططاتها الحقيقية أمام المحاكم الإسرائيلية، التي تم إبلاغها بأن هذه البؤر في مرحلة التخطيط والمصادقة على وجودها على الأرض.
ولا يكتمل المشهد الإسرائيلي إلا بالمشهد التقليدي، الذي بات كالاسطوانة المشروخة: "رئيس الحكومة يواجه ضغوطا من اليمين"، وهذا ما كان مع نتنياهو نفسه في منتصف سنوات التسعين وجميع رؤساء الحكومات من بعده، وهذا ما يعود اليوم، ولهذا فإن جهات في دول القرار العالمي باتت ترى أنه ليس من المناسب الضغط أكثر على حكومة نتنياهو لئلا تسقط... فلتسقط وللجحيم.
ولكن لون المناورة- المسرحية- هذه المرّة باهت جدا، واللعبة مفضوحة أكثر من الدورات السابقة، فأي يمين واي تطرف، حين يكون نتنياهو رئيسا للحكومة، تقسيم الأدوار بات مكشوفا أكثر من ذي قبل، وإلا كيف يكون وزير مثل أفيغدور ليبرمان صامتا راضيا، عن أحاديث نتنياهو حول التجميد المزعوم للاستيطان.
لقد جعلت إسرائيل الرسمية من مطلب تجميد الاستيطان ضربة مرتدة على صاحبيه، ومناورة تستفيد منها، فها هي تشغل العالم بنقاشها الداخلي وبقاموسها السياسي الجديد: تجميد أم تقليص، في حين أن جرافات الاحتلال لا توقف للحظة البناء الاستيطاني.
أما فلسطينيا... أما فلسطينيا، فلربما نستيقظ بعد أن ينتهي حوار المصالحة الفلسطينية، الذي قد يتحول إلى معضلة تضاهي معضلة القضية برمتها

تحضير للطباعة
أرسل لصديق -
صحيفة الغد الأردنية
المشهد الإسرائيلي
الحوار المتمدن
مؤسسة توفيق زيّاد
للثقافة الوطنية والإبداع

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
الفنان كارم مطر