ماير فلنر الانسان والفكر والقائد الشيوعي في الذاكرة دائماً

فجع الحزب الشيوعي الاسرائيلي والجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة وانصار السلام والمساواة والدمقراطية والشعب العربي الفلسطيني برحيل المعلم والقائد الشيوعي والاممي البارز المفكر والمناضل خالد الذكر ماير فلنر، فتاريخ ماير فلنر هو التناريخ الكفاحي المشرف للحزب الشيوعي الاسرائيلي الذي كان من جيل مؤسسيه سوية مع توأمه في القيادة القائد الشيوعي العريق توفيق طوبي امد الله في عمره. فخلال 25 عاما تحمل ماير فلنر مسؤولية السكرتير العام للحزب الشيوعي الاسرائيلي ومسؤولية رئاسة مجلس الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة عدة دورات وتمثيل الحزب والجبهة سنوات طويلة في الكنيست، وقيادة التثقيف النظري الايديولوجي والسياسي في الحزب.
تعرفت على ماير فلنر الفكر والموقف كشيوعي عنيد لا يلين في المواقف المبدئية المتعلقة بهوية الحزب وطابعه كحزب شيوعي ماركسي- لينيني واممي يهودي- عربي، وفي تحديد الموقف انطلاقاً من هذه القاعدة بالنسبة للموقف من خارطة الصراع عالمياً في العام 1965 ابان انقسام الحزب الشيوعي وخروج مجموعة ميكوس- سنيه التي انحرفت باتجاه العودة الى حضن الشوفينية الصهيونية بعيداً عن المباديء الشيوعية الاممية. ففي حينه كنت اصغر مندوب في مؤتمر الانقسام وشاركت في نقاش موضوعات (رؤوس اقلام) كلا الطرفين "أ" و "ب" التي تعكس موقف الطرفين من القضايا المركزية التي على خلفيتها جرى الانقسام.
فالجماعة المارقة الصهيونية المنشقة ارادت المس ببؤبؤ عين الحزب كحزب اممي قائم على المساواة التامة بين رفاق يجمعهم الفكر الواحد والبرنامج الواحد وبغض النظر عن هوية الانتماء القومي او الديني او الجنسي واقترحت ان يكون للرفاق اليهود وزن نوعي وكمي في هيئات الحزب اكثر من الرفاق العرب بصفتهم من "شعب الاكثرية". والاقتراح الثاني للمنشقين هو تبني الموقف السياسي للصهيونية باحزابها داخل وخارج دوائر السلطة وكأن جميع الانظمة العربية معادية لاسرائيل ولا فرق على خارطة الصراع العالمي والمنطقي بين نظام معادٍ للامبريالية كنظام الرئيس جمال عبد الناصر في مصر وبين النظام الاتوقراطي الرجعي في العربية السعودية. في وجه هذا التيار المعادي للشيوعية انطلق للمواجهة الفكرية والسياسية والتنظيمية ماير فلنر وساشا حنين وبنيامين نحونين وولف ايرلخ وعوزي بورشطاين وروت لوبتش والمرحوم ابراهام لفبراون الى جانب الرفاق العرب وذلك للحفاظ على ما يميز الحزب الشيوعي بمنهجه ونهجه، بفكره، وبنيته وبرنامجه عن باقي احزاب الغابة الصهيونية.
لا يمكن لشعبنا ان ينسى دور ماير فلنر عندما قام برفقة توأمه توفيق طوبي باختراق حواجز الحكم العسكري وحالة الطواريء والسير في المسالك الوعرة حتى وصلا الى كفر قاسم الذبيحة واكتشف ا المجزرة الرهيبة التي ارتكبها جند حكومة القهر والترحيل ضد الاطفال والنساء والشيوخ من الناس العزل والمسالمين، وفضحا جريمة السلطة بين اوساط الرأي العام الاسرائيلي والعالمي. من لا يذكر عندما وقف ماير فلنر على منصة الكنيست ليفضح المجزرة، فخرج نواب الاحزاب الصهيونية من القاعة فصرخ ماير "قتلتم فهربتم" رجع بعضهم الى القاعة.
لقد كان ماير فلنر انساناً شجاعاً وجريئاً لا يخفي قول موقفه وما يفكر به حتى في احلك الظروف التي قد تودي بحياته. ومن لا يذكر موقفه الشجاع في الكنيست الاسرائيلي عندما هلل ممثلو مختلف الاحزاب الصهيونية بما فيهم ممثل المنشقين عن الحزب، تأييداً ودعماً لحرب حزيران العدوانية واحتلال مناطق مصرية وسورية وفلسطينية. لقد وقف ماير فلنر من على منصة الكنيست ووسط هستيريا وصراخ نواب الاحزاب الصهيونية وقفة الابطال مندداً بالحرب العدوانية وبالاحتلال ومطالباً باالنسحاب الفوري من جميع المناطق المحتلة.
لم تمض سوى فترة وجيزة بعد هذا الموقف حتى جرت محاولة لاغتياله اذ طعن بالسكين في ظهره من قبل احد اوباش اليمين، وفي وقت كانت تمتليء فيه السجون والمعتقلات بمئات الشيوعيين من جراء موقف الحزب الشيوعي ضد الحرب العدوانية الامبريالية- الاسرائيلية.
كان ماير فلنر مثل حزبه من الانصار المناضلين لانجاز حق الشعب العربي الفلسطيني بالتحرر واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وكان من المساهمين في قيادة الحزب بطرح الشعار "دولتان للشعبين اسرائيل وفلسطين" في برنامج الحزب والجبهة والذي اصبحت تتبناه اليوم غالبية الرأي العام العالمي كمخرج لا مفر منه للتسوية السلمية العادلة. ونعتز بأن الحزب الشيوعي بقيادة ماير فلنر وتوفيق طوبي واميل توما وغيرهم كان اول من اعترف وطالب بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كمحتل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
لقد كان ماير فلنر مناضلاً عنيداً ضد الصهيونية الفكر والممارسة، وقد اسهم مع عدد من الرفاق في المجال النظري- الايديولوجي في فضح المقولات النظرية الاساسية للصهيونية واثبات الخلفية الاساسية للصهيونية وطابعها الرجعي والعدواني والعنصري. وفي عدد من مؤتمرات الحزب الشيوعي تصدى وبدون هوادة لمن حاول تجميل وجه الصهيونية وجذب الحزب لاعادة النظر في موقفه من الصهيونية.
ان اكثر ما ميز ماير فلنر ورافقه طيلة مشواره الكفاحي الطويل هو تحزبه الواعي للفكر الماركسي- اللينيني والعمل على صيانة الحزب من تسرب جراثيم الافكار الانتهازية والاصلاحية ومخاطرها التي تقود الى مصادرة الهوية المميزة للحزب كحزب طبقي ثوري اممي مقاتل وتحويله الى حزب اصلاحي اشتراكي دمقراطي على شاكلة "ميرتس" على سبيل المثال.
وقد كان يردد دائماً بأن ما يتسم طابع هوية الحزب الشيوعي الاسرائيلي به ويجب المحافظة عليه هو "لا ستالينية ولا اشتراكية دمقراطية بل شيوعية ماركسية- لينينية". وبرز هذا الموقف المبدئي بعد الردة وانهيار الاتحاد السوفييتي والانظمة في بلدان اوروبا الاشتراكية، خاصة وان عدداً من الاحزاب الشيوعية غيرت اسمها وجوهرها وانتقلت الى خندق الاحزاب الاصلاحية الاشتراكية الدمقراطية.
ماير فلنر كان يؤكد دائماً انه لا شيء يعيب التاريخ انضالي المشرف للحزب الشيوعي، واثبت مسار تطوره التاريخي مصداقية مواقفه ان كان في الموقف من الحق الفلسطيني المشروع ورسم المخرج من دائرة دم الصراع الاسرائيلي- العربي، او في الموقف من المساواة القومية والمدنية للاقلية القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل والدفاع عن قضاياها او في الموقف من القضايا الاجتماعية، ولهذا لا توجد اية ضرورة موضوعية او ذاتية لتغيير اسم الحزب، او التخلي عن مبادئه كحزب ماركسي- لينيني، وما هو مطلوب هو تطوير الحزب والاخذ بالاعتبار المتغيرات الحاصلة ليكون دائماً الحزب الثوري والدمقراطي في آن واحد.
شخصياً ومن خلال تعرفي عن كثب على ماير فلنر الانسان والمفكر والسياسي والقائد، ان كان ذلك من اجتماعات المكتب السياسي واللجنة المركزية او من اجتماعات دائرة التثقيف المركزية وهيئة تحرير المجلة النظرية للحزب "الدرب"، تعلمت الكثير منه ومن خبرته، ان كان من ناحية صلابة الموقف في القضايا المبدئية او من ناحية التركيز دائماً في ابراز ما هو جوهري وعدم الغرق في الهوامش.
حقاً لقد افتقدنا علماً وقائداً فذاً، وعزاؤنا في الاستفادة من موروثه الغني ومواصلة دربنا الطويل في حمل وتطوير راية الحزب ونهجه الكفاحي، خاصة في هذه الظروف التي شعبا هذه البلاد بامس الحاجة لمنارة حزب كالحزب الشيوعي. وسيبقى ماير فلنر الانسان والفكر والقائد الشيوعي في الذاكرة دائماً، فماير فلنر كان وسيبقى دائماً جذراً مباركاً من جذور شجرة الحزب دائمة الخضرة.
بقلم: د. احمد سعد


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع