ستطرح حكومة كاديما – العمل- شاس الكارثية في الدورة الشتوية القريبة للكنيست، مشروع الميزانية العامة وقانون التسويات على هيئة الكنيست ولجانها البرلمانية لمناقشته والتصويت عليه. والميزانية ليست مجرد ارقام واحصائيات بل هي تجسيد للسياسة الاقتصادية – الاجتماعية التي ستمارسها الحكومة خلال سنة. وفي الوضع الطبيعي فان الهدف الاساسي الطبيعي لكل ميزانية جديدة هو طرح الحلول والدواء للقضايا والمجالات الملتهبة التي فشلت الحكومة في معالجتها او اجرمت بتعميق وضعها المأزوم، ولكن في بلاد غير طبيعية وسياسة غير طبيعية كما هو الحال في اسرائيل، فان قضايا النمو الاقتصادي المربوطة عضويا بالعدالة الاجتماعية، التي تساعد على معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية المحرقة مثل الفقر والبطالة والقهر التمييزي ضد المواطنين العرب، الاقلية القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل، هذه القضايا هي آخر ما تهتم به السياسة الاقتصادية للحكومة ولا تدرجها ابدا في الدرجات الاولى من سلم اولويات واهتمامات حكومة الكوارث السياسية والاجتماعية. في بيانه الذي اصدره النائب الجبهوي ورئيس الجبهة محمد بركة امس الاول ووزعه على وسائل الاعلام المختلفة اطلق صرخة حق محذرا من ان مشروع الميزانية الجديدة الذي تطرحه حكومة اولمرت – براك – يشاي هو ميزانية كارثية بمدلولها السياسي والاجتماعي "فالجماهير الفقيرة – كما يؤكد بركة – ستدفع ثمن عقلية الحرب وحيتان رأس المال"! ودعا بركة الى تحرك شعبي واسع لمواجهة السياسة الاقتصادية – الاجتماعية المرتقبة، وفي نفس المضمون والمدلول حذر رئيس كتلة الجبهة في قيادة الهستدروت النقابي جهاد عقل من الطابع المأساوي للميزانية الجديدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وان جماهير العاملين والعرب وقضية السلام العادل الضحايا الاساسيون للسياسة التمييزية الحكومية طبقيا وقوميا. وما يحذر منه ومن مغبته بركة وعقل هو حقيقة مُرة، ففي توزيعة الميزانية الجديدة في باب النفقات والمصروفات وفي قانون التسويات لا ترصد الحكومة المبالغ المطلوبة والسياسة الاقتصادية الصحيحة لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية المحرقة، لمعالجة وجود اكثر من مليون ونصف مليون انسان من اليهود والعرب يعيشون تحت خط الفقر، ولا معالجة جذرية لقضايا البطالة والتضخم، ولمعالجة النتائج المأساوية لسياسة التمييز القومي العنصرية ضد الاقلية القومية العربية، حيث نسبة الفقر بين العرب حوالي ضعفين ونصف ضعف النسبة بين اليهود، وبين العاطلين عن العمل تبلغ نسبة البطالة بين العرب حوالي ضعفي نسبتها بين العاملين اليهود، ولا معالجة ازمة السلطات المحلية العربية والتمييز "الضارب اطنابه" في شتى المجالات الخدماتية والتطويرية اضافة الى سياسة مصادرة الارض العربية وطرح برامج الترانسفير. العكس هو الصحيح ففي القضايا المركزية الثلاث تواصل الحكومة سياسة تعميق الازمة والمظاهر المأساوية المذكورة. ففي ظل سياسة مواصلة الاحتلال والعدوان والمنهج النيولبرالي لسياسة الخصخصة و "السوق الحرة" والاقتصاد الحر، فان حوالي اربعين في المئة من الميزانية المقترحة مخصصة للميزانية العسكرية، لتغذية سياسة الاحتلال والاستيطان والعدوان وسباق التسلح، مقابل الهجوم على لقمة عيش الفقراء من خلال زيادة وتيرة التضخم والضرائب غير المباشرة، والاقتطاع من مخصصات الاولاد والبطالة وخصخصة الخدمات الصحية والتعليمية، الامر الذي يشير الى زيادة عدد الفقراء وتوسيع فجوات التقاطب الاجتماعي بين الاغنياء والفقراء في المجتمع الاسرائيلي. كما تبرز مواصلة ممارسة سياسة التمييز القومي العنصرية ضد العرب في الميزانية الجديدة وفي جميع مجالات التطور والحياة. ان نظاما يبني رأس هرم سياسته على مواصلة الاحتلال والعدوان وخدمة استراتيجية العدوان الامبريالية، وخاصة الامريكية، وعلى مواصلة سياسة الافقار والتمييز، نظاما معاديا للسلام العادل وللمساواة والعدالة الاجتماعية يستدعي بلورة اوسع قوة جماهيرية كفاحية عربية – يهودية وجذبها الى معركة التصدّي.