* إلى روح محمود درويش *
أحقًا رحَلتَ؟
- وليسَ جديدًا عليكَ الرحيلُ -
ولكنْ - لماذا رَحَلتْ؟..
وكُنتَ تعودُ – كوعدِ السّنونو
مَدارَ السّنينِ
لشُرفةِ دارٍ - وسَقفٍ لِبَيتْ...
أحَقًا فلا رَجعَةٌ
بَعدَ هذا الغيابِ السّريعِ،
لتمسحَ منديلَها لهفةٌ
تَمنّتْ حُضورًا ،
وتمضي وحيدًا
كما عِشتَ فيها
بعيدًا وحيدًا - تُعانقُ صمتكَ
تلبَسُ منفاكَ وقتًا جديدًا
ويَسقُطُ وقتٌ - ويَندبُ وَقتْ...
أكانَ ثقيلا عليكَ
رداءُ البقاءِ بهذا الوجودِ
فرُحتَ تدرّبُ روحَكَ
في عيشِها - طليقًا
خَفيفًا شَفيفًا بدارِ الخلودِ؟
نعم! قلتَ يومًا، كتبتْ
ولكنّ سيفَ الجسدْ
سَيصْدأ يومًا - ويمضي
إلى حيثُ كانَ إلى معدنٍ
في دروبِ الرّمادِ...
وتبقى حروفُ لَهبْ
نَطقتَ بها،
سَترجعُ يومًا كطيرِ لهَبْ
كما كُنتَ تَرجعُ
في غيابِ الإيابِ – فتِيّا نَحيلا
جَميلا
طَويلا
أصيلا
حَـيِـيًّا
نَـدِيًّا
بَـهِـيّا
رَقـيـقًا
عَـمـيقًا
رَفـيـقًا صَدوقًا
ودودًا - مُـحِبّا لَـدودًا
تُغنّي وتُنشدُ فوقَ المنابرْ
حنينًا يَحِنّ ونَجوى لِصابرْ
وتَكتبُ في صَفحةِ الكونِ
عنوانَ كونٍ جديدٍ
بحرفٍ جديدٍ
وتخطفُ تحتَ السّماءِ جَناحًا
وريشةَ حُبٍّ
تُحَوّلُ لونَ السّوادِ بياضًا
كحلمٍ جميلٍ على أفقنا،
تُرتِبُ غُرفةَ نومٍ لهذا الوجودِ
الغريبِ - بدِفءِ يَقينٍ
وتَدخُلُ حيًا لنا - وبيتًا وبيتْ...
بلفظةِ شعرٍ وومضةِ بيتْ...
تعودُ كعودةِ نسرٍ إلى عُشهِ
أتحفظُ وعدَكَ؟
يقيني بأنّكَ كنتَ وَعَدتْ...
أخي! يا حبيبَ الجموعِ
لو انّكَ تعلمُ ما أنتَ فينا
وما نحنُ منكَ
وأيّ مكانٍ مِنَ القلبِ فينا حَلَلتْ...
فلستَ "بلاعبِ نَردٍ"
وعابرِ دربٍ
بل اسمًا لشَعبٍ
وكوشانَ طابو
وأسطورةً في مَداها تعيشُ
تُخلّدُ حَـقًا
وسيرةَ شعبٍ إليهِ انتميتْ...
لماذا – لماذا - لماذا رحَلْتْ!؟..
(ألقيت القصيدة في لقاء الأدباء والمثقفين لإضاءة الشموع لذكرى رحيل الشاعر الكبير محمود درويش الذي تم في بيت الأديب أمين خير الدين في حرفيش)
(كفرياسيف)
د. سليم مخولي *
الثلاثاء 26/8/2008