* إلى روح الشاعر محمود درويش في ذكرى الأربعين *
أي مفارقة تجوب سراديب الزمن في أفراحه وفي أحزانه ،تشرئب الذاكرة أحيانا فوق الغمام ، لتسبح في رحاب الوجود ،وتجسد من الخيال واقعاً تعايشه برونقه السحري .
يومان فقط .....جاء صوتك عبر انقسام الروح ، ما بين تسابيح الحلم ،وتراتيل صلاة الفجر ،وما بين شرائع أمنية ،كانت تتوسط ذاكرتي ، بأن الملم بقايا احتراق الحروف التي طالما حَلُمَت بأن تُقْرَأَ على مسامعك ،وأن يكون صوتك الزائر في غياهب الحلم ،زائرا في ضوء قمر يعشق حرية النهار ،ويلامس ذرات رمل على شاطئ سيشتاق إلى لمسات قدميك .
ولكن...........
كيف لاحتراق الصمت المنتحر، أن يتحول إلى نبض يغير معالم الألم المتحد ببذور الأرض، التي عشقتك وعشقتها ،كعشق الليل لهمسات البحر ،وجنون ذلك اللاشيء المسكون فيك على ضفاف الشعر ،وذلك الهسيس المنحدر من شغاف الشوق لرؤيا الحلم المرتحل ،مع بقايا وطنيةٍ ، كانت تنتفض لتعلن وفاتها برحيلك المرتبك بتقاسيم ذلك الحلم الذي ارتسم فوق جبينك .
يوم واحد قبل سفرك الأخير كان ميلاد.
كان فرحٌ يتوسط جنون الحياة ونبضها ،كان وترٌ حزينا في أعماقي يعزف للموت !
تسألت :هل سأموت اليوم في يوم ميلادي!؟
ما سر هذه النغمة التي تنام على ضفاف ألمي وحزني؟!
ما سر باقات الزهور والرسائل ؟!
ما سر غناء ذلك الوتر في جنون لاوعيي ، وفي قيلولة إحساسي بأن هنالك شمساً ستغيب ،وقمرا سيتظلل في سراديب العدم !
راودني ملاك الشعر في ذاك المساء ،واقتحم مملكتي ،ونفض غبار الحيرة المتربصة بذلك الشعور المنغرس في جذور ملكوت الوحدة والمناجاة ،لتلك الرؤيا الغامضة خلف ضلال الوحشة.
أخذ حبر قلمي يخاطب حروف الذات المرهونة في ذلك الإحساس ،وتسامت مع ملكة الشعر ،إذ بقصيدة يا أناي تولد على جمر الألم . كأني يا سيدي كنت أدرك أن الألمَ سيغزو تاريخ الشعر ،وسيقف البكاء حائرا أمام مداخل الأدب .
استثنائيا كان ذلك اليوم بكل مقايسه وألوانه وصوره.
ولكن.................
كانت تنام حمامة في الضفة الأخرى ،تنفض ريشها المبلل بالدمع، والقلق ،والخوف ،والرهبة بأن أمرا ما ...سيغير ألوان البحر، وسيعكس لونا يتسم بلون المارين قبل ستين عاما . وأنت عالقا بين الطفولة وبين طيفا يعيش في ثناياك ويعيدك لتحمل الوطن هما في وريدك .
كبرت........ وكَبُرَ الهم والجرح معك ،واتسعت تلك الدائرة التي تضم انقلابات الزمن ،وتغيير مجرى الريح نحو رحيل طويل .
نبتت الحروف في فمك أشجار، تعشق الوطن المقتول. كبرنا معك ،وشربنا من كؤوس قصائدك نبيذٍ يحملنا إلى خنادق الحرية.
أيِّ مفارقة تلك التي أتتني في حلمي ، وزيارة صوتك لي في ذاك الحلم ،كانت نبوءة الرحيل الأخير .
رحمك الله وأدخلك فسيح جناته .
وفاء عياشي بقاعي
الأثنين 22/9/2008