مُلاحظات عن التعثّرات المصريّة

محمد قعدان


رجعيون وأثرياء..
التحرّك الشعبي في مصر جذبتهُ النُظم الكبيرة، من خلالِ عُنصرِ الإخوان المُسلمين الفئات الوسطى والليبراليّة، والإمبرياليّة الأمريكيّة. سمير أمين يُحدّثنا عن موقع الأخوان المُسلمين في النظام: "من المشكوك فيه قدرة جماعة الإخوان المسلمين أن يتحولوا إلى منظمة ديمقراطية. فالتنظيم قائم على مبدأ طاعة المرشد دون وجود ديمقراطية أو مجال للنقاش. وعندما ننظر لقيادة الجماعة كلها وليس للمرشد فحسب، سنجد أن العديد من أعضائها أثرياء جداً، ومليونيرات بالتمويل الخليجي بصفة أساسية، بمن فيهم أولئك الذين يرسمون لأنفسهم صورة رجال الدين فى الأزهر وغيره. هذه القيادة واعية تماماً برجعيتها الاجتماعية والسياسية وكراهيتها للديمقراطية."


اليوم في الذكرى الثامنة لثورةِ مصر، لا نجدُها. ولذلك أودّ أن أطرح مُلاحظاتٍ تُحاول الإجابةِ على هذا التعثّر في مصر، وعلى سؤالِ «الإمكانيّة» لتحقيق ثورةٍ حقيقيّة وبنيويّة في مصر. كتب سمير أمين مقالةً عن الثورةِ في مصر في عام 2011 وحدّد ثلاثة عناصر للتحرّك الشعبي في مصر "الشباب واليسار الراديكالى وعناصر الفئات الوسطى والليبرالية الديمقراطية"  قد رأى سمير أمين بأن عُنصر "الشباب" هُم غالبيّهم غير مُحزبين كانوا أقرب إلى الفقر ومُنحازين لقضايهم ووطنيين، اليسار الراديكالي كان خارج الساحةِ السياسيّة بشكلٍ عامّ، منذُ بداياتِ التضييقات في فترةِ جمال عبد الناصر وإشتدادها عليهم في فتراتِ السادات ومُبارك، وقد لبوا نداء الثورة على حدّ قولهِ، وفي العُنصرِ الأخير تكمنُ إشكاليّة التحرّك الشعبي والتي ستحكمُ  مساراتهِ والتي ستحدّد شكلهُ الرجعي، يرجعُ ذلك إلى الطبيعةِ الطُفيليّة لهذهِ الطبقةِ الماليّة وصاحبة المشاريع والورشات الصناعيّة وأيضاً حركة الإخوان هي تنتشرُ في الطبقات الوسطى وتُسيطر على النقابات المهنيّة، المُهندسين والمُحاسبين والأطباء وموظفين حكومة وشركات.
هذهِ العناصرِ الثلاثة داخل مجال التحرّك الشعبي في حالةِ عراكٍ وجذب. يُميّز جيل دولوز بين نزعتين للثورةِ تجاه النظام الكبير أو الرأسماليّة: نزعة تجذب الظواهر الصغرى بالنُظم الكبيرة وهي نزعة بارانويا رجعيّة، ونزعة تجذب النُظم الكبيرة بالظواهر الصغرى وهي نزعةٍ شيزوفرينية ثورية. وذكر دولوز مثالاً عن الولاياتِ المُتحدة في مقالتهِ "التحليل النفسي-خمسُ قضايا":  "هناك حرب فيتنام، حربٌ عظمى، وهي تشير الى تشغيل آلة عُظامية (بارانويا) ضخمة، التركيب الشهير العسكري – الاقتصادي، نظام كامل من الدلالات، السياسية والاقتصادية. الكل يقول “برافو!” بإستثناء قلّة قليلة، كل البلاد قالت “هذا جيّد!”، وهذا ما لم يجلب العار على أحد. لم يجلب العار على أحدٍ سوى على قلّة من المشجوبين بإعتبارهم يساريين."
 ما نريدُ قولهُ بأن الشبكاتِ والتجمّعات والتظاهراتِ ومشاركةِ ما يزيد عن المليون شابّ كبدايةٍ، إلى أن جذبت جميع أوصال الشعبِ المصري وتعدّوا عشراتِ الملايين، هذهِ هي الظواهر الصغرى، الانبثاقات العفويّة التي أرادت أن تُمارس رغبتِها في الحياة، وكسر النُظم الكبيرة ومنها الرأسماليّة التي تُعيق هذهِ الرغبة. ولكن علاقاتِ الجذب بين التحرّك الشعبي لصالح الشباب واليسار، الفئات الوسطى من الأخوان المُسلمين وغيرها جذبت التحرّك الشعبي لصالح النُظم الكبيرة; الولايات المُتحدة والشركات البنك الدولي.
التحرّك الشعبي في مصر جذبتهُ النُظم الكبيرة، من خلالِ عُنصرِ الإخوان المُسلمين الفئات الوسطى والليبراليّة، والإمبرياليّة الأمريكيّة. سمير أمين يُحدّثنا عن موقع الأخوان المُسلمين في النظام: "من المشكوك فيه قدرة جماعة الإخوان المسلمين أن يتحولوا إلى منظمة ديمقراطية. فالتنظيم قائم على مبدأ طاعة المرشد دون وجود ديمقراطية أو مجال للنقاش. وعندما ننظر لقيادة الجماعة كلها وليس للمرشد فحسب، سنجد أن العديد من أعضائها أثرياء جداً، ومليونيرات بالتمويل الخليجي بصفة أساسية، بمن فيهم أولئك الذين يرسمون لأنفسهم صورة رجال الدين فى الأزهر وغيره. هذه القيادة واعية تماماً برجعيتها الاجتماعية والسياسية وكراهيتها للديمقراطية." نستطيع أن نرى بأن الإخوان المُسلمين وقيادتها للثورةِ ونجاحها في الانتخابات هو الشكلِ الرجعي للتحرّك الشعبي بأنه لم يستطيع جذب النُظم الكبيرة بل على العكس.
صياغةِ العلاقة الوطيدة بين النُظم الكبيرة والإخوان المُسلمين، من خلالِ جانبين: الأول «تاريخي» وهي تضييق المجال العامّ للسياسةِ منذ فترةِ جمال عبد الناصر إلى الساداتِ ومُبارك من أعطى حريّة العمل السياسي والنقابي للإخوان المُسلمين والقضاءِ على العملِ الشيوعي والليبرالي، وبذلك لم تُكشف غالبيّة الشعبِ المصري إلا على حزب وتنظيم واحد ضخم كان خارج السُلطةِ الرسميّة، وهُنا نرى القوّة البنيويّة لهذهِ النُظم الكبيرة التي تُبقي فُسحةً للعملِ السياسي الرجعي، ولا تترك خياراً أمامِ الشعبِ المصري إلا من هو أكثرُ ميلاً نحو الخصخصةِ والرأسماليّة. ولن يكونَ خطراً على النُظم الكبيرة.
 الجانب الثاني «النظري» والتماثل مع النُظم الكبيرة في السياسات الرئيسيّة، يذكرُ المعهد الملكي للشؤون الدوليّة  (Chatham house) بأن أيّام حُكم المجلس العسكري الأخيرة شهدت صراعاً بين العسكر والإخوان المُسلمين، ولكن لم يعكس الصراع أية تباين في السياسات الاقتصادية وأيضاً هو مؤيدون لسياساتِ السوق الحرّ. ما نراهُ في الجانب النظري، تبلور أيضاً في الدستور الجديد وقد علّقت على ذلك بيسان كساب المُتخصصة في الإقتصاد: " أما الدستور الجديد، فقد بدا نموذجاً صارخاً لانحياز الجماعة وحلفائها من القوى الإسلامية الى تحرير الأسواق، إذ نص على ربط الأجر بالإنتاج للمرة الأولى. كما لم يتضمن أي حد أقصى للملكية الزراعية، ولم يمنع ملكية غير المصريين للأراضي الزراعية، متراجعاً عما تضمنه دستور 1971 في هذا الشأن." وأضيفُ على ذلك بأن التقرير السنوي البنك الدولي في عامِ 2005 قد وضع جمهوريّة مصر العربيّة وعدّة دول عربيّة وإفريقيّة المؤهلات للقروضِ، ما نُلاحظهُ بأن البنك الدولي منذ 2005 يودّ أن يُغرق مصر في القروضِ والديون والإملاءات الاقتصادية، ويهدم بذلك كلّ إمكانيّة للاستقلال، وعندما سنحت الفُرصة في عام 2011، تدّخلت الولايات المُتحدة وقدّمت خُطّة للمجلس العسكري وتشجيع الإخوان المُسلمين لتفادي أزمات بنيويّة. وفي فترة سيطرةِ الإخوان المُسلمين، ظهرت أزماتٍ اقتصادية حادّة وخاصّة تراكم الديون الخارجيّة، وكانت قد ازدادت أرصدةُ الدين الخارجي بعشرةِ مليار، ارتفاع حادّ (للمُراجعةِ في موقع بيانات البنك الدولي).
مُلاحظاتي عن التعثّرات أكتبها اليوم من أجل إيضاح العلاقات الاجتماعية التي تُسيطر على التحرّكات الشعبيّة، وبأنها ليست مُجرّدة عن الواقع وتناقضاتهِ. نجاحُ التحرّك الشعبي مُتعلّق في رصدِ كلّ مُتغيّر على الساحةِ المصريّة، وتعريفهِ سواء جزء من النُظم الكبيرة أو من الظواهر الصغرى، وهُنا الإشكاليّة والخللُ الإخواني كما ظهرَ في الثورةِ المصريّة. ولكن بعد مرور ثماني أعوام من الجحيم على الشعبِ المصري تحت إمرةِ الناطور السيسي. لكن كما يقول سمير أمين، فإن «الشعب المصري شجاع، ولن يخاف من إشعال انتفاضة ثانية وثالثة».

السبت 26/1/2019


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع