تشييع جثمان القائد الشيوعي العريق ماير فلنر


شارك المئات، بعد ظهر امس الاحد، في تشييع جثمان القائد الشيوعي الفذ والعريق ماير فلنر، الذي رحل يوم الخميس الفائت، الخامس من حزيران، عن عمر ناهز الـ 85 عاما، قضاها في النضال من اجل السلام العادل واخوة الشعوب والعدالة الاجتماعية. وكان بين المشاركين قادة الحزب الشيوعي الاسرائيلي والجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة، ووفد من حزب الشعب الفلسطيني الشقيق (الحزب الشيوعي سابقا) برئاسة عضو اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف. وعضو المكتب السياسي للحزب حنا عميرة، وعضو اللجنة المركزية نعيم الاشهب، وايضا لفيف من الشخصيات اليسارية الاسرائيلية.وقد جرت مراسم الدفن في مقبرة هيركون في تل ابيب، حيث جرى حفل تأبين امام الجثمان، افتتحه نجل الفقيد ميخا فلنر.

مخول: لم يبحث فلنر عن الطريق الاسهل

وكان أول المؤبنين، باسم الحزب الشيوعي الاسرائيلي، السكرتير العام للحزب النائب عصام مخول، الذي أشار الى الخصوصية في يوم رحيل القائد الشيوعي ماير فلنر، وهو الخامس من حزيران، الذي صادف الذكرى الـ 36 لحرب حزيران، وهو الذي كاد ان يدفع حياته، قبل 36 عاما، ثمنا لموقفه المبدئي والثاقب ضد الاحتلال والحرب العدوانية، حين حاول أحد العنصريين اغتياله بسبب هذا الموقف، وطعنه واصابه بجروح بالغة.
وقال مخول إننا نذكر فلنر كقائد شيوعي اممي بارز ناضل من اجل السلام العادل والمساواة، ومن اجل اخوة الشعوب خاصة بين اليهود والعرب. فتاريخه النضالي مرتبط ارتباطا وثيقا بتاريخ الحزب الشيوعي الذي كان في قيادته، على مدى عشرات السنين، بدءأ من الحزب الشيوعي الفلسطيني في العام 1940، ولاحقا في الحزب الشيوعي الاسرائيلي، وكان على مدى 26 عاما سكرتيرا عاما للحزب.
واضاف مخول قائلا، إن فلنر تميز بتمسكه بالاسس الايديولوجية الماركسية اللينينية. وحين اختار الطريق، فقد اختار الطريق الاصعب، لانه الطريق الحقيقي للسلام والعدالة الاجتماعية، وهو لم يبحث عن الطريق الاسهل، وعن الانخراط ضمن الاجماع. لقد اتقن كحزبه، السباحة ضد التيار، الى ان فهم هذا التيار ان ما قاله فلنر ورفاقه وحزبه، هو الصحيح.

الشاعر لاؤور: سنواصل الطريق الذي قاده فلنر لسنين طويلة

والقى الشاعر يتسحاق لاؤور كلمة تأبينية، اختار ان تكون موجزة، تتركز في موقفين اطلقهما فلنر، وفيهما يتخلص جزء كبير من افكاره ونضاله، وكان الاول موقفه من حرب اكتوبر 1973، حين وقف وحيدا امام الكنيست باسم حزبه الشيوعي يصرخ ضد الحرب، يومها، وعلى اثر محاولة الاغتيال التي تعرض لها في العام 1967، بسبب موقفه من حرب حزيران. سرت معه في احد شوارع تل ابيب، وكان التوتر شديدا لئلا تتكرر محاولة الاغتيال. والموقف الثاني، في صيف العام 1982، حين وقف مرة ثانية امام كنيست فارغة، وايضا باسم كتلة الجبهة التي كان يمثلها، ليعلن موقفه المناهض للحرب على لبنان. ويومها اختار البعض الهروب من الجلسة كي لا يصوتوا، وهربوا من مواجهة الحقيقة، وفقط بعض مرور بعض الوقت اعلنوا موقفا مناهضا للحرب، ولكن فلنر كان الاول وكان الوحيد، هو وحزبه.
وقال لاؤور، لاننا - شيوعيون وغير شيوعيين- في هذا اليسار الحقيقي، فاننا نمتص الشتائم والاهانات في الشارع الاسرائيلي. لقد اخترنا الطريق الصحيح، وسنواصل هذا الطريق، الذي قاده فلنر لسنين طويلة.

ميلاميد: لطيفاً ومتواضعاً مع محيطه وصلباً وعنيداً في المواقف

ثم القى المحامي ابراهام ميلاميد، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي سابقا، كلمة ركز فيها على شخصية فلنر، وعن العلاقة المميزة التي كانت تربطهما. وقال ميلاميد، لقد كان فلنر شخصية دمثة الخلق لطيفا ومتواضعا مع الجميع، ولكنه، ايضا، كان عنيدا وصلبا في مواقفه السياسية والفكرية، ولم يكن ينظر الى ما تقوله الاغلبية، وانما كان ينظر الى الحقيقة، هذه الحقيقة التي رفضتها الغالبية في اسرائيل، ثم استدركتها بعد سنوات طوال.
وقال ميلاميد، ان من بين العبارات الهجومية التي كانوا يوجهونها لفلنر انه "المدافع عن العرب"، وعن اي تهمة يتحدثون !. نعم لقد كان فلنر عربيا ويهوديا، لقد كان مناضلا امميا مدافعا عن حقوق العرب لانهم مظلومون. ولم يأبه يوما بما يقولون، وكل ما كان يهمه هو أن يقول الحقيقة. وقد كان دقيقا وحذرا في كل كلمة يقولها، ولم يكن يطلق موقفا إلا بعد ان يدرسه جيدا.

بركة: كان يقرأ التاريخ ويلخص التجارب بانفتاح

ثم القى رئيس مجلس الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة، النائب محمد بركة، كلمة باسم الجبهة، نقل في بدايتها تعازي رئيس الكنيست، وتعازي رئيس دولة اسرائيل، موشيه كتساب، وتعازي الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ورئيس الحكومة الفلسطينية محمود عباس، واعلن ان الكنيست ستعقد في الايام المقبلة، جلسة تأبينية خاصة، لذكرى القائد فلنر الذي كان عضوا في الكنيست على مدى 40 عاما.
وقال بركة في كلمته ان فلنر حقا كان مناضلا عنيدا وصلبا وصادقا من اجل السلام العادل وحل القضية الفلسطينية حلا عادلا على اساس مبدأ دولتين لشعبين، ولكن - في الوقت ذاته - ناضل فلنر وعمل طوال عشرات السنين من اجل مصالح شعبه السياسية والاجتماعية، وعرف تماما ان هذه المصالح ستحقق مع إحلال السلام العادل والصادق.
وتكلم بركة عن دور فلنر في تنمية الفكر والايديولوجيا التي تبناها، على المستويين المحلي والعالمي، خاصة في مجال الفكر المناهض للصهيونية، وله كتابات عديدة في هذا المجال.
واستذكر بركة محطات بارزة في تاريخ فلنر النضالي، يوم ان اقتحم مع زميله توفيق طوبي، الذي نتمنى له العمر المديد، قرية كفر قاسم في العام 1956 وكشفا عن المجزرة الرهيبة التي ارتكبتها قوات الحكم العسكري في حينه.
واكد بركة ان فلنر الى جانب تمسكه بمبادئه كان يعرف كيف يعيد النظر في تجربة الماضي وان يصل الى استنتاجات شجاعة كما ورد في الكتابين الصادرين عن الحزب في الذكرى الخمسين والستين، وعلى ما يظهر فاننا سنقوم بمراجعة وتلخيص بعض الفصول في تجربتنا بدون الرفيق ماير ولكن لا بد ان نقوم بذلك من خلال الوفاء لدوره ومساهماته ومكانته كأمين عام للحزب على مدار سنوات طويلة وحرجة.
واختتم كلمته قائلا، ان الحزب الشيوعي والجبهة سيعرفان كيف يخلدا ذكر فلنر.

نعيم الاشهب: صديق حميم ورفيق نضال حقيقي للشعب الفلسطيني

وكانت الكلمة لممثل حزب الشعب الفلسطيني الشقيق، نعيم الاشهب، الذي قال اننا نودع صديقا حميما ورفيق نضال حقيقي للشعب الفلسطيني، وهو الذي كاد ان يدفع حياته ثمنا بسبب موقفه الشجاع من حرب حزيران في العام 1967.
وقال الاشهب: "لقد وهب فلنر كل حياته من اجل السلام الحقيقي والعدالة الاجتماعية والانسانية، وفكره - فكر حزبه - الذي طرحه قبل عشرات السنين يوم ان كانت الظروف اصعب. واليوم، اصبح المبدأ الذي تسير بموجبه العمليات السياسية في المنطقة".
واكد الاشهب ان الشعب الفلسطيني يعرف كيف يكرّم اصدقائه الحقيقيين، الذين رافقوه في نضاله من اجل تحقيق الحقوق المشروعة، واقامة دولته المستقلة. كما تكلم الاشهب عن علاقة فلنر وحزبه، المميزة، بحزب الشعب الفلسطيني، خاصة وانهما في الماضي كانا حزبا واحدا، ضمن الحزب الشيوعي الفلسطيني.

دورون: كان فلنر على رأس قائمة المكروهين لدى الإجماع الاسرائيلي

وكانت الكلمة الاخيرة لنجل الفقيد دورون، الذي تكلم عن فلنر الاب البيولوجي والسياسي، وقال انه ليس من السهل ان تكون ابنا لماير فلنر، كما لم يكن سهلا ان تكون رفيقا سياسيا له، وكانت العلاقة متشابكة حتى داخل البيت، فمن الواضح اننا لم نحظى به كثيرا كأب في داخل البيت، ولهذا كان الحيز الاكبر لعلاقتنا في خضم العمل السياسي.
وقال دورون ان ماير فلنر ومنذ سنوات حياته الاولى كان يتعاطف مع العمال والفلاحين، وهذا ما اوجده في نقاش حاد داخل بيته، خاصة حين كان يجري الحديث عن رواتب واجور هؤلاء في سنوات الثلاثينيات، ايضا حين جاء الى البلاد، لغرض الدراسة، ثم بقي فيها، لم يغير نهجه. وهذا ما قاده الى صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني السري في العام 1940.وقال دورون، لقد كان ماير فلنر وعلى مدى عشرات السنين على رأس قائمة المكروهين لدى الإجماع في الشارع اليهودي، وهذا بسبب مواقفه التي رفضها هذا الاجماع. حتى بدء مسار اوسلو، حينها استذكر البعض مواقفه وجاؤوا اليه ليقولوا له لقد صدقت. وفي ايامه الاخيرة وهو على فراش المرض، جاءه ممرض ضخم الجثة، ومتدين، ليقول له بصوت عال، "ماير هل سمعت، لقد قال اريئيل شارون انه يجب انهاء الاحتلال، كما كنت تقول قبل 36 عاما"، ولكن والدى لم يكن باستطاعته ان يرد عليه. ربما سمعه. وقد رد عليه بابتسامه خفيفة وحركة يد بطيئة.
الاثنين ‏2003‏-06‏-09‏


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع