هل يستحق المبدعون الرحيل في المنفى حقا؟ محمود درويش، قصيدة أخرى تسقط من شجرة الحياة، ها هناك، هناك، في البعيد، وحدك صارعت الحياة، لم تتمرد مثل المرات السابقة، استقبلت الموت بصدر رحب، فكانت عيناك تنشد الهناك، الى الحياة الأبدية وتركتنا وحدنا نتساءل ونتمنى، ونتفاجأ ونهيم كالتائهين.
محمود درويش، من سيكمل (السيناريو) من بعدك ، وكأنك كنت تعرف أنكَ ستترك نهايته مفتوحة وترحل، فهل تنبأت بقدوم أجلك بالفعل!
سقط محمود درويش وهو يستنشق هواء الحنين، وهو يتحدث عن الحرية وعن الوطن وعن الحب والسلام والعشق، فهل (سقط القطار من الخارطة) فعلا....
صوت آخر يسقط فلا يموت، إذن فنحن مطمئنون أنك لم تمت.
(آويها)، زغرودة، أسمعها من هنا، إنها لا تفارق أذنيّ، تغنيها نساء قريتكَ لكَ يا أيها الشاب الجميل، (آويها) زغرودة لم تسمعنا إياها أمك، لأنك لم ترتدي ثوب العرسان، وعذارى بلدك تهيئن تماما للرقص في عرسك، ها هن يرقصن في مأتمك، يحاورنك ويسألنكَ، لماذا غادرتنا بهذه السرعة يا محمود، لقد صرعتنا بموتكَ!
كانت لك لحظات ضعف في لحظات خريفية مضت، جمعت دواوينك ووضعتها في مجلد واحد أسميته (الأعمال الكاملة) تعرف لماذا، لأنك كنت تعاني من قلق دائم، قلقت على شعب كامل، فكنت الأب وحامل الآهة وقصيدتك الدواء الشافي لكل مريض. فلن نؤاخذك الآن... المنفى كان سبب شقائك، والمنفى غربة ورغبة جامحة تكثر فيه الأحلام، وتختلط فيه الأصوات، ويمتزج فيه الصدى وعندما أصبح الزمن عدوك الحقيقي وأنت وحيد هناك أنكسر وترك، خذلتك روح الطفولة يا أيها الطفل الشفاف، فمن سيكمل من بعدك اللحن، نمت جريحا ولم تستفق من جرحك، لا الحلم تحقق ولا البيت بني، وتركتنا نحلم بفنجان قهوة أمك وأنتَ تغزونا بأجمل القصائد، وتقول لنا أنا شاعر أحب الكلمات والكلمات مهنتي، أنا الباحث في أزقة عكا عن روح تألفني، أنا صاحب الحلم الذي تركته على أحد شواطيء وطني.
جعلتنا نتدفأ بقصائدك ليلا وأنتَ في برد المنفى تبحث عن قصيدة تتمدد معك في سريرك البارد.
هذه المرة خذلك الموت، وكانت نتيجته غرفة مظلمة في بيت متواضع، فأنت في قمة التواضع، بني البيت.... ويا له من بيت، أحتار بالكلمة التي ستُختار لتنقش عليه، فكل كلمة قلتها يمكنها أن تكون وريثة حلم عشته وعيشتنا فيه.
في قلوبنا ستبقى، وكلماتك ستبقى خالدة، فقد أورثتنا من إرثك أجمل القصائد.
– كاتبه وروائية فلسطينية – استراليا
دينا سليم
الأربعاء 13/8/2008