انهيار تام، وحلول جزئية !



لا نعوّل على الولايات المتحدة، ولا على نظامها الفاسد، الإرهابي، الرأسمالي، الامبريالي، أن تحلّ أزمة مالية، سببها هو الرأسمالية بذاتها. ولا نتمنى لها أن تحل هذه الأزمة أصلا، لأنّنا نرى في استمرار هذه الأزمة، أسباب ضعف للنظام الأمريكي، الرأسمالي، الامبريالي، وبالتالي دافعًا باتجاه انهياره.

خطة بوش لإنقاذ أسواق المال تكلف اكثر من تريليون دولار

*خبراء المال يشككون بقدرة الأموال على معالجة أسباب الأزمة ويخشون فشلها في ردم هوة الأصول الفاسدة*

واشنطن- وكالات- اعرب خبراء اقتصاديون عن خشيتهم من ان تبلغ كلفة خطة الإنقاذ التي يعرضها البيت الأبيض على الكونغرس، ما بين 1000 و1500 مليار دولار. وتساءلوا عما إذا كان دافعو الضرائب قادرين بالفعل على تحمل هذه الكلفة.
وكتبت صحيفة "نيويورك تايمز" على موقعها الالكتروني ان الخطة الاميركية التي اقترحتها ادارة الرئيس جورج بوش لدعم القطاع المصرفي تكلف من حيث المبدأ 500 مليار دولار إلا انها قد تصل الى الضعف برأي بعض الخبراء، اي نحو تريليون دولار، إن لم يكن اكثر.
وأظهر زعماء الكونغرس من كلا الحزبين استعدادهم لبحث الخطة والتعامل معها بروح الرغبة بانقاذ البلاد من اسوأ كارثة مالية تتعرض لها منذ الركود الكبير عام 1929. ولكن الشكوك تساور بعض الأعضاء الديمقراطيين من ان تصبح الطبقتان الوسطى والدنيا هما الضحية الأبرز للخطة إذا ما اقتضت رفعا كبيرا في الضرائب.
وقال السناتور باراك اوباما المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة ان الخطة يجب ان تحمي المواطن العادي لا ان تزيد الأعباء التي تقع على عاتقه.
والسؤال الأكثر حرجا هو ما إذا كانت هذه الأموال ستنفق في الشكل الذي يؤدي بالفعل الى معالجة اسس الأزمة لا مجرد إنقاذ مؤسسات مالية تغرق بديونها، فتعود مؤسسات اخرى لتواجه المشكلة نفسها.
وكانت مصادر في الصناعة المصرفية ذكرت ان الخزانة الاميركية ستقترح برنامجا حكوميا تتراوح تكاليفه بين 500 مليار دولار و800 مليار دولار لشطب الاصول الفاسدة المرتبطة بالقروض العقارية من سجلات الشركات المالية الاميركية. ولكن الخبراء يقولون ان هذه الأرقام، كأي تقديرات حكومية أخرى، يمكن ان تتضاعف بسهولة.
وقالت المصادر ان الحكومة ستحصل على رهون عقارية سكنية وتجارية وسندات تدعمها قروض عقارية بموجب هذا الاقتراح الذي يحتاج الى موافقة الكونغرس.
وامتنعت متحدثة باسم وزارة الخزانة عن التعليق.
وتأتي هذه الخطوات في ختام اسبوع واجهت خلاله الاسواق المالية اخطر سلسلة من الازمات منذ الكساد العظيم في الثلاثينيات وهددت الاقتصاديات الوطنية والنظام المصرفي العالمي.
وقالت المصادر ان الحكومة ستجري مزادات عكسية لدفعات تبلغ 50 مليار دولار مع قول مصدر ان الزيادات الاضافية ستؤخذ في مجموعات تبلغ قيمتها عشرة مليارات دولار وان خمسة مديرين اصول خارجيين سيساعدون في ادارة المشتريات.
وصرح مصدر بان الحكومة لن تواجه موعدا نهائيا للتخلص من هذه الاصول التي حصلت عليها بموجب الخطة التي يجري ارسالها الى الكونغرس. واضاف المصدر ان اي اصول يتم التخلص منها سيكون من المتعين ان تكون مدونة في سجلات اي مؤسسة مالية مشاركة في 15 ايلول.
وقال مشرعون انهم سيتحركون بشكل سريع في محاولة لتنفيذ خطة لانقاذ الاصول والتي قال وزير الخزانة الاميركي هنري بولسون ورئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي بن برنانكي انها ضرورية لضمان الا تؤدي الديون المعدومة الى انهيار النظام المالي والاقتصاد.
وقال السناتور الديموقراطي الواسع النفوذ كريس دود رئيس اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ، الذي سئل هل يمكن ان تنتهي اعمال مجلس الشيوخ لبحث الخطة في نهاية الاسبوع المقبل، "سنرى، نأمل في ان نتمكن من الوصول الى ذلك".
واضاف "لكن القضية خطرة... اذا كان ذلك سيستغرق اسبوعين، سنأخذ اسبوعين، واذا كان سيستغرق ثلاثة اسابيع، سنأخذ ثلاثة اسابيع".
واوضح وزير الخزانة الاميركي هنري بولسون منذ مساء الخميس انه سيعمل طوال نهاية الاسبوع مع الكونغرس لاعداد قانون يتيح مساعدة المؤسسات المالية على صعيد الاصول التي لا تتحول سيولة وتعرقل النظام المالي.
واكد الرئيس بوش من جهته الجمعة "الضرورة الملحة" لتدخل حكومي "غير مسبوق" لمواجهة الوضع "الهش" للاسواق المالية وعلى رغم المخاطر التي سيواجهها دافع الضرائب جراء خطة باهظة التكاليف كما قال.
واضاف بوش في تصريح ادلى به في البيت الابيض "نحن نواجه لحظة حاسمة لاقتصاد اميركا".
وقدم بوش تقويمه الاشد تشاؤما للاقتصاد الاميركي منذ فترة طويلة، مشيرا الى "تآكل الثقة" والمخاطر التي تؤثر على الاستهلاك والنمو وفرص العمل.
وتساور الخبراء الأجانب شكوك حقيقية حول ما إذا كانت هذه الخطة ستنجح بالفعل في معالجة أسباب الأزمة.
وقالت محافظة البنك المركزي التايلاندي السبت ان الاسباب الجذرية للاضطراب المالي في الولايات المتحدة مشابهة للازمة التي شهدتها اسيا قبل 11 شهرا ولكنها ربما تكون اصعب في الحل.
وفي حديث مع نظرائها الاسيويين الذي تجمعوا في بانكوك لعقد ندوة في مطلع الاسبوع قالت تاريسا واتاناجيس ان سيتعين على البنوك المركزية ان تكون مرنة في ردها على الازمة المالية في الوقت الذي يتردد صداها في شتى انحاء العالم.
وقالت تاريسا "لاول وهلة فان الاسباب الاساسية لكلا الحدثين متشابهة بشكل لافت للنظر" مشيرة الى الانهيار المالي الاسيوي عام 1997-1998 والذي نجم عن خفض قيمة العملة التايلاندية.
ولكنها قالت ان الازمة اليوم اكثر تعقيدا لانها تنتشر في الاقتصاد العالمي الاكبر مع اسواق مالية اعمق واكثر تطورا.
واردفت قائلة "في ضوء تزايد التعقيد وحجم الازمة الحالية فان هذا يدعو الى التساؤل بشأن ماذا كان الادوات المتوفرة لدى صناع السياسة كافية لضمان الاستقرار الاقتصادي وهو جوهر مهمتنا كمحافظين للبنوك المركزية".
ودعت تاريسا الى "اساليب مبتكرة لمعالجة التحديات الناشئة. وعلى سبيل المثال قد لا نتمكن من الاعتماد فقط على استخدام الحلول التقليدية من رفع اسعار الفائدة لعلاج التضخم المتزايد".

إلا أنّ الخبر الذي أفاد بأنّ الإدارة الأمريكية سوف تضخّ أكثر من ترليون دولار للسوق الأمريكية المتعثّرة، بهدف حل الأزمة، هو خبر يستحق التوقف عنده.
إنّ أكثر المحلّلين والخبراء الماليين تفاؤلا رأوا في هذه المحاولة نوعًا من الصرف في غير مكانه، حيث قالوا إنّ أسباب الأزمة لن تحل بضخ الأموال، وإنّما بحلحلة جذور الأصول المالية الفاسدة في المؤسسات المالية الكبرى، أما المتشائمين، فيقولون إنّ الحل يتطلّب انهيار المؤسسات المالية غير القادرة على تخطي الأزمة وحدها، دون مساعدة.
أما الموقف الصحيح والحقيقي، فيعبّر عنه منتقدو النظام الرأسمالي، وتحديدًا الأمريكي، من الخبراء والمحللين الاقتصاديين، الذين يقولون إنّ جذور الأزمة كامنة في جذور النظام، ولا يمكن تخطي هذه الأزمة، التي باتت تتخذ أشكالا أكثر حدّة، إلا بتغييرر جذري في النظام.
ونحن لا يمكننا التعويل على تغيير في النظام الرأسمالي، مع ابقائه رأسماليًّا، إلا أنّنا نقول إنّ استمرار الأزمة الحالية مؤكّد، خاصة في ظل الاحتمالات بأن تعتمد الحلول المقترحة على رفع نسب الضرائب، والتي ستتضرّر منها الطبقات المستضعفة في الولايات المتحدة أساسًا، والتي ستنخفض قوّتها الشرائية أكثر وأكثر، الأمر الذي سيبقي الاقتصاد الأمريكي في دائرة سحرية لا يمكنه الخروج منها، أضف إلى أنّ انهيار الشركات والبنوك، ودخول عشرات آلاف العاملين في كل أنحاء الولايات المتحدة والعالم إلى دائرة البطالة، سوف يزيد من ركود الاقتصاد.
وهنا نرى أنّه حتى  النظام الرأسمالي الأكثر تحرّرًا ورفضًا لتدخل النظام السياسي بالاقتصاد، يتدخّل في الاقتصاد عندما يدور الحديث عن انهيار شامل.
إنّ الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، فلنترك لها كل جديد.

الاتحاد

الأحد 21/9/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع