بحضور عائلته ومشاركة عشرات المثقفين والفنانين
حيفا تُكرّم محمود درويش على طريقتها



غصّت قاعة الأوديتوريوم على قمة جبل الكرمل في حيفا بأكثر من ألف إنسان، من حيفا وعكا والجليل والمثلث واللد والرملة ويافا والقدس المحتلة، مساء السبت الماضي (27 أيلول)، في الأمسيّة التكريميّة الخاصّة التي دعت إليها فصلية "مشارف" الثقافية بالتعاون مع مؤسسة عبد المحسن القطان، تحت عنوان "حيفا على موعد جديد مع محمود درويش... ولا هناك سوى هنا".
افتُتحت الأمسية بمقاطع فيديو للشاعر، تلتها مقاطع مسرحية وموسيقية من "جداريّة محمود درويش"، قدمها الفنان مكرم خوري، والموسيقيون حبيب شحادة، يوسف حبيش، ليف ماتياكوف، يوليا كانتور وفيكتور خريستوسوف. ثم رحّبت محرّرة "مشارف" الشاعرة سهام داوود بعائلة درويش الكريمة، وبالحضور، "أسرة محمود درويش الأوسع". وقالت داوود إن تجربة محمود درويش الشعريّة ستظل "مفخرةً للإبداع الأصيل، الراقي، وعلامةً فارقة في الشعر، والشعريّة، على مرّ الأجيال". كما شكرت داوود جميع من أسهم في إنجاز هذه الأمسية، من أفراد ومؤسسات، "من خلال اندفاع ذاتي مبارك وتطوّع غير مشروط".

 

// الحالم الفلسطيني بامتياز


وألقى الناقد أنطوان شلحت مداخلة اعتبر فيها أنّ مقولة شوبنهاور "العالم هو خيالي أنا"، تنطبق على القصيدة الدرويشية، وأنّ خيال درويش هو "خيال متميّز لا يمكن أن ينشأ إلا عند حالم أصيل. وقد كان درويش هذا الحالم الفلسطيني بامتياز". وقرأ الفنان يوسف أبو وردة مقطعًا من نصّ شعريّ طويل للشاعر السوري سليم بركات، جاء فيه: "صخبُه صخبُ الزيزفون/ جهاتهُ جهاتُ الزيزفون/ وحدتهُ ما يعتذرُ الوردُ به إلى الورد/ والمكانُ حجلٌ في يديه/ وحيت يتكئ بمرفقه على الوسادة تتكئ الفكرةُ أيضًا/ مُنشدهةً بالرحيل الذي فيها".

 

// ابن المكان وصانعه


ثم تحدّث الكاتب اللبناني الياس خوري، في تسجيل مرئي خاصّ من بيروت، فقال إنّ "درويش هو ابن المكان وصانعه في آن معًا. معه ومع إميل حبيبي وغسّان كنفاني وإدوارد سعيد صارت فلسطين وطن كل المنفيين من أوطانهم، وفي أوطانهم. صارت فلسطين اسمًا آخر لمقاومة الظلم والعسف ولتأسيس إنسانيتنا التي تحاول الفاشيّة والعنصريّة تحطيمها". وتحدّث الأديب حنا أبو حنا عن لقائه الأول بالراحل في صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية العريقة، "حيث كهولٌ متمرِّسون وأجواءٌ ثقيلة بالثقافة والتصدّي. وقد حظيتَ بمحبة الجميع". وخاطب أبو حنا درويشًا: "الحبيب محمود. أيُّ هذا الجامح الذي لا تنفكّ البروق الساحرة تهمز جياد عربته الناريّة عبر الآفاق ليقطف ما وراء النجوم، ظللت تتحدّى ذاتك لتتجاوزها ولتفاجئنا بالجديد المتألـّق". ثم شدت الفنانة تيريز سليمان أغنية "أنا الطريدة والسهام"، وقدّم الفنان المقدسي فرنسوا أبو سالم مشهدًا من مسرحية "ذاكرة للنسيان"؛ وعُرضت مقاطع من خُطبة الشاعر في أمسية حيفا التاريخية، العام المنصرم، والتي كان قال فيها: "لم أغب تمامًا ولا أحضر إلا لمامًا، لأن المجاز هو أداة الشاعر القادر على جعل الخيال واقعيًا وعلى جعل الواقعيّ خيالا، دون أن تَفقد اللغةُ طريقَ العودة إلى أرض مرجعيّاتها الأولى".

 

// إختار أن يكون حرًا


وقرأت الفنانة سلوى نقارة نصَّ الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي، الذي قال إنّ درويش "لم يبتعد عن السياسة، لكنه أصبح يفكّر فيها ويعاني مشكلاتها كشاعر يلتزم ما يمليه عليه الشعر من قيم ومواقف، على عكس الذين يلتزمون في الشعر ما تمليه عليهم السياسة. باختصار، اختار محمود درويش أن يكون حرًا، ولأنه كان شاعرًا أصبح قويًا قادرًا على أن يرى، وأن يقول، وأن يؤثر". وقدّمت الفنانة ريم تلحمي أغنية "عناة". وقرأ الفنان سليم ضو نصًّا للشاعر العراقي سعدي يوسف، جاء فيه: "لقد كنّا في باريس، في السابع من حزيران الجاري/ جاء إلى أمسيتي بمسرح الأوديون. لكنه قال لفاروق مردم ألا يخبرني بأنه هناك/ إلتقينا بعد انتهاء الأمسية/ قال لي: أنا راحلٌ غدًا/ هل حَمَلت كلماتُه هذه، الأقصى ممّا يمكن أن تحمل؟/ هل كنا نقولُ: وداعًا؟".

 

 

 

// تعاقد ثنائي شاق


وتحدّث الناقد السوري صبحي حديدي، في تسجيل مرئي خاصّ من باريس، عما أسماه التعاقد الثنائيّ الشاق، مع "مشروع شعري كبير لا يكفّ عن التطوّر والارتقاء والاغتناء من حيث الأسلوب والقيم الجمالية والموضوعات"، من جهة، ومع "قارئ عنيد كان يعاند درويش وكان درويش يعانده في المقابل"، من جهة أخرى. وقرأت الفنانة حنان حلو كلمة الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، التي جاء فيها: "هو أجملنا وأوّلنا وأحلانا، وهو سبب اطمئناني رغم الجروح المُزمنة في ثقافتنا المشطورة نصفين"، مضيفًا أنه "نعم مات محمود درويش، لكنّ هذا الشاعر الذي أتقن كل ما عمله في حياته لن يتقن الموت إلا قليلا". ثم عُرضت أغنية "أحنّ إلى خبز أمّي" للفنان اللبناني مارسيل خليفة، الذي خصّ حيفا أيضًا بأغنية "محمد الدرّة" التي كتبها الشاعر بعيد بداية العدوان الاحتلالي الإسرائيلي على الشعب العربي الفلسطيني، في أيلول-سبتمبر عام 2000.

 

// الأجيال القادمة ستتذكّره


ثم قرأ الصحافي هشام نفاع كلمة القائد الشيوعي العريق توفيق طوبي، والتي قال فيها إنّ حياة درويش في حيفا، وانخراطه في صفوف الحزب الشيوعي، وعمله في صحيفة "الاتحاد" ومجلة "الجديد"؛ لعبوا "دورًا كبيرًا في صقل موهبته الشعرية، وفي تعميق مفاهيمه السياسية"، مؤكدًا أن الأجيال القادمة ستتذكره "كشاعر كرَّس حياته لخدمة شعبه، كأحد عمالقة الشعر، كعاشق فلسطين". وقرأ الفنان علي سليمان نصّ الشاعر السوري أدونيس، الذي قال إن "..محمود درويش لم يكن، بالنسبة إليّ، مجرّد صديق. كان أخًا قريبًا، وشريكًا حميمًا في الحياة التي جمعتنا في بيروت، قبل الحصار، وفي أثنائه، وبعده في باريس. كنّا في هذه المدينة الفريدة نبني جسور الشِّعر ونربط الأفقَ بالأفقِ".

 

// أعاد للشعر رونقه

وألقى الكاتب محمد علي طه كلمة خاطب فيها الراحل قائلا: ".. بل أنت يا محمود أعدت للشعر رونقه وذائقته وإكسيره، وبرهنت للعلماء والفلاسفة وأكدت للأرض وسيدة الأرض وما على الأرض، أن لا حياة ولا بقاء بدون الهواء والماء والغذاء والشعر، وأنّ زمن الشعر قد عاد.. عاد ويبقى مع كلماتك". ثم قدّم مكرم خوري وريم تلحمي وتيريز سليمان أغنية "باطل الأباطيل باطل". وقرأ الشاعر أنور سابا نصًا للشاعر الفلسطيني غسان زقطان، سرد فيه كيف رأى درويش ذات يوم منهمكًا بقراءة صحيفة، وسط ضجيج عرس في رام الله، وأن هذا المشهد "كان كافيًا وضروريًا لأن أهتدي فجأة إلى أننا نعيش في مدينة يمكن أن تصادف فيها محمود درويش في عبور سريع نحو منزله.... أو دخوله المتردِّد إلى مائدته على المقهى وكأنّما فاجأ نفسه هناك".
وعُرضت أغنية "جواز السفر"، وتخللت الأمسية مقاطع فيديو جديدة وقديمة للشاعر، بينها قصائد "سيناريو جاهز"، "وحاصر حصارك"، و"جنازة"، و"السروة انكسرت"، وكلمته المؤثرة في وداع تونس. واختتمت الأمسية بأغنية "خضراء"، وبالمشهد الختامي من "جداريّة"، الذي يقول فيه الشاعر: "أما أنا، وقد امتلأت بكل أسباب الرحيل؛ فلستُ لي.. أنا لستُ لي.. أنا لستُ لي".

 

// طاقم الأمسية والرّاعون


يذكر أنّ هذه الأمسية التكريميّة جاءت بمبادرة فصلية "مشارف" ودار عربسك للنشر حيفا، وبالتعاون مع مؤسسة عبد المحسن القطان؛ إعداد: سهام داوود، إخراج: نزار أمير زعبي، موسيقى: حبيب شحادة، مدير المنصة: أشرف حنا، إضاءة: فراس روبي، مهندس الصوت: كمال فاخوري، تقني فيديو وإضاءة: إياس ناطور، إعلام: عبير قبطي، تصميم: وائل واكيم، والإنتاج التنفيذي: رجا زعاترة.
كما تنادت المؤسسات التالية إلى دعم الأمسية: لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، معهد إميل توما، مؤسسة توفيق زياد، جمعية الدفاع عن حقوق المهجّرين، لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، اتحاد الجمعيات الأهلية – اتجاه، ومركز مساواة؛ الاتحاد، كل العرب، الحقيقة، المدينة، وترفزيون؛ جمعية الجليل، مركز دراسات، كيان، أصوات، مكتبة كل شيء، صالة العرض للفنون أم الفحم، جمعية التطوير الاجتماعي – حيفا، بيت الموسيقى، أورفيوس، جدل، رؤى، ومسرح الميدان؛ فتوش، فيسيز، إليكا، ونزارين تورز حيفا

الجمعة 3/10/2008


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع